دفة صغيرة
صدق من أطلق على عالم البحار كلمة "عالم"، فهو واسع، غامض نعرف القليل عنه، دائما مثار فضول الإنسان من حيث قوانينه، عمقه، مخلوقاته وكائناته العجيبة الغريبة في الاشكال والألوان، تأثير ضغط الهواء والحرارة والمغناطيسية والضوء والصوت وحركة الرياح والنحر وغيرها من العوامل المؤثرة علي هذا العالم العجيب الذي كلما تعمقنا في محاولة معرفته كلما زاد غموضه وزاد سحر اكتشافه علينا.
فكل مسطح مياه له النوع الملائم من السفينة او المركب او القارب او الكانو او الرفت بشراع او بدون شراع، بموتور او مجداف، كبيرة الحجم او متوسطة او صغيرة. تيتانك او مراكب الشمس الفرعونية التي اكتشفها كمال الملاخ عند سفح الهرم الاكبر؛ او سفينة مثل سفن كريستوفر كولومبس مكتشف امريكا، ام سفينة حربية مثل سفن القرن الحادي والعشرين ام سفينة تغوص في اعماق البحار والمحيطات؛ كل هذه المعدات تتفق في شيء واحد ألا وهو دفة صغيرة او موجه صغير يحرك هذا الجسم الهائل الحديدي الذي يطفو علي سطح المياه الواسعة إلى اتجاه أخر، فهوذا السفن وهي عظيمة بهذا المقدار، وتسوقها رياح عاصفة، تديرها دفة صغيرة جدا الى حيثما شاء قصد المدير؛ فكم يتباهى القبطان عند تقاعده بخلع دفة السفينة التي طالما قادها وتعليقها في حجرة المعيشة ببيته مفتخرا بقيادته لهذا العملاق بمساعدة هذه الدفة الرائعة التشكيل.
فصانع السفن يقدر هذه القطعة الصغيرة أعظم تقدير حتى انه يتفنن في رسمها وتشكيل نحتها وتلميعها والتأكد من وزنها وثقله علي محور الحركة بكل دقة وذلك لان في يده مصير هذا العملاق المتحرك. والرسول يعقوب في اصحاح اللسان (يعقوب 3) يصف اللسان بأنه كالدفة الصغيرة التي تتحكم في كل الكيان البشري الإنساني، لذلك يجب أن يكون كلامنا مملحا بملح كل حين صالحا حتى يعطي نعمة للسامعين ويبني كلا من المتكلم والمستمع، فالموت والحياة في يد اللسان واحباؤه يأكلون ثمره (أمثال 18: 21). وهذه كانت وصية الرب الاله لشعبه في القديم حيث قال لهم: "ليبارك كل واحد أخيه" (سفر العدد 6: 23)؛ وهو ما نعرفه في المسيحية بالبركة الرسولية، وهي البركة التي تعهد كل كاتبي الكتاب المقدس بالعهد الجديد ختام كل الكلام بها وبالتالي نتناقلها نحن من جيل إلى جيل، فبركة الرب الإله ممتدة لشعبه إلى الأبد.
فالكلمة التي تخرج بواسطة اللسان تحتوي عما بداخل النفس الإنسانية من مشاعر قد تكون سلبية مثل اللعن والمرارة والاحباط والسب وغيرها من السموم التي يقول عنها الكتاب المقدس إنها تنجس الإنسان؛ وأما تكون كلمات مملحة بالحكمة والثقة والسلام والفرح والصدق والامانة من الصفات التي تدل على وجود روح الرب الاله في قلب وكيان المتكلم. وتحضرني هنا قصة بالاق بن باعور الذي اشتراه أحد الملوك الاعداء لشعب الرب ليلعنهم حيث كان الملك عارفا بقوة الكلمة التي سوف ينطق بها هذا النبي الكاذب؛ لكن كيف له ان يلعن شعب باركه الرب بنفسه، فبات محاولاته بالفشل (سفر العدد 22، 23).
فالكلمة التي تخرج من الفم تحمل فكر ومشاعر واحاسيس قائلها. فكثيرا ما ننزعج او نغضب او نحبط او نفرح فتخرج مننا كلمات وافعال تعبر عما يحدث ويجول داخل انساننا الداخلي. العل ينبوعا ينبع من نفس عين واحدة العذب والمر؟ هل تقدر يا اخوتي تينة ان تصنع زيتونا، او كرمة تينا؟ ولا كذلك ينبوع يصنع ماء مالحا وعذبا! أصلي من كل قلبي ان تنبع كلمات صالحة تعطي نعمة للسامعين وشفاء للنفس المتعبة والحزينة والمنكسرة. تفاح من ذهب في صحن من فضة الكلمة الصالحة في وقتها (أمثال 25: 11).