خواطر مسافر إلى النور (٢٢٤):
لماذا اختار الله ظهوره ومجيئه للبشرية بأن يكون ”مولوداً من امرأة“؟
” أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له“ ... (أثناسيوس الرسولى)
"ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس“
(غلاطية ٤:٤)
إن ولادة طفل من بطن أمه، هو امتداد لطبيعة لأم في طفلها بالحمل، فالحمل هو أتحاد الطبيعة الجسدية بين الأم وطفلها، ويصير الأثنان جسداً واحداً. وأيضاً فإن الحمل ثم الولادة أشبه بموتٍ وقيامة، حتى أن المسيح قال "المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح، لأنه قد وُلِدَ إنسان في العالم" (يوحنا٢١:١٦) وكأنها ساعة موت وحزن. ثم قيامة وفرح. فيقول المصريون أن الأم " قامت بالسلامة“.
ونوضح لك عزيزي القارئ، كيف أن مجيء الرب "مولوداً من امرأة" كان استعلانا لهدف مجيء الرب وظهوره للبشر:
ففي لحظة قبول العذراء لبشارة الملاك بميلاد المسيح، اتحد لاهوت الله بطبيعة طفلها يسوع الناسوتية في أحشائها:
"فأجاب الملاك وقال لها: «الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله…فقالت مريم: «هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك».“ (لو٣٥:١)
فالمسيح هو ”أبن الله وكلمة الله : لاهوتٌ واحد مولودٌ من الآب أزلياً ”نور من نور، إله حق من إله حق، مولود (من الآب) غير مخلوق، واحدٌ مع الآب في الجوهر (لاهوت واحد)“ (قانون الإيمان المسيحي) .
والتجسد الإلهي هو اتحاد اللاهوت المولود من الآب أزلياً، بالناسوت المخلوق زمنياً في أحشاء العذراء القديسة مريم. وبالتالي فإن مجيء المسيح ”مولوداً من امرأة“ يشرح كيف ” أخذ الرب الذي لنا“ بتجسده وظهوره بيننا، بل ويشرح أيضاً كيف أن الرب ” أعطانا الذي له“ - أي جسده المتحد بلاهوته - بالأيمان والمعمودية .
فالمعمودية المسيحية كما شرحها الرب بنفسه لنيقوديموس هي ولادة ثانية للإنسان يتم فيها نفس الشيء ”لا تتعجب أني قلت لك: ينبغي أن تولدوا من فوق ... من الماء والروح “ (يوحنا ٣). فالمعمودية هي ولادة ثانية لأنها امتداد نفس الطبيعة ذاتها من كيان إلي كيان ليتحدان معاً. وهي امتداد لميلاد المسيح الذي تم في بطن العذراء فيولد المسيح في كل مَن يؤمن به ويعتمد بأسمه. فإن كل ما صنعه المسيح وهو لابس لناسوتنا إنما صنعه لأجلنا. لذلك ففي المعمودية يمتد الروح القدس بناسوت المسيح المتحد بلاهوته ليتحد بكيان المعتمد ، فينال ” الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع “.
ولهذا السبب يقول القديس أثناسيوس الرسول أن المسيح ”أعطانا الذي له“ أي الذي حققه في ميلاده من العذراء مريم من أتحاده بنا.
المعمودية إذن هي: ولادة جديدة، لخليقة جديدة من المسيح. في كيان الإنسان المعتمد.
هذا الشرح ينقل لك عزيزي القارئ المكتوب في رسالة رومية ٦: " أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته وقيامته. فدًفنَّا معه بالمعمودية للموت، حتى نصير متحدين معه بشبه موته، ونصير أيضاً بقيامته. عالمين هذا: أن إنساننا العتيق قد صُلِبَ معه ليُبطَل جسد الخطية، كي لا نعود نُستَعبَد أيضاً للخطية "
فالمسيحية ليست هي لغفران خطايا علي يد كاهن، بل المسيحية هي لتجديد طبيعتنا بالاتحاد في المسيح بالإيمان والمعمودية فنصير من لحمه وعظامه ونصير شركاء في الطبيعة الإلهية من خلال الاتحاد بناسوت المسيح المتحد بلاهوته :
” لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه… جسداً واحداً…أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة“ (أفسس ٥).
” كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا… المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد (الذي في الطبيعة العتيقة الموروثة من آدم الأول)“، (بطرس الثانية ١) ... والسُبح لله .