خالد منتصر يكتب: لكم ربيعكم ولنا ربيعنا
شعار عبقري رفعه الشارع التونسي يؤكد فيه على أن ربيع الشعوب الحقيقي هو يوم تخلصهم من الفاشية الدينية ، هذا هو الربيع الذي يزهر فيه العقل وتنتشر في الجو حبوب لقاح التساؤل وعلامات الإستفهام ورياح خماسين الثورة على كل ماهو محنط وراكد من أفكار متحفية تجاوزها الزمن ، وصار مكانها مخزن الأنتيكات ، ربيع أوروبا أزهر يوم أن ولدت العلمانية ووقف المثقفون والفلاسفة ضد سطوة الكنيسة ، وربيع العرب أيضاً لن يولد إلا عندما تتصدي الشعوب لتراث ديني فقهي بشري يدعي أنه الوحيد الذي يحتكر الحديث بإسم الله ، ويريد أن يضع عقل المسلمين في مايشبه الحذاء الحديدي الذي كانت ترتديه البنت اليابانية لتظل قدماها صغيرتين برغم تشويه العظام !
سرق الإخوان مايسمى الربيع العربي الذي بدأته تونس ، وظن الجميع أن ركوب الإخوان هو مثل القدر الإغريقي الذي لافكاك منه ولافرار إلا إليه ، لكن كان في رحم الغيب ربيع آخر ، هو ربيع التخلص من الإخوان والذي لن يكون سهلاً على الإطلاق وفي تونس بالذات ، فقد ضحك أتباع الغنوشي على الشعب وأقنعوهم بأنهم الإخوان " الكيوت" الجدد الذين تأثروا بالثقافة الفرنسية ، وإتضح بعدها أنهم إخوان " فرز ثالث" ، لهم نفس الصفات وب" كواليتي" أكثر سوءاً ورداءة ، والصعوبة الأخطر التي ستواجه الشعب التونسي في إقتلاع الإخوان هو تجذرهم في المؤسسات السيادية ومختلف مناحي وهيئات الدولة حتى صاروا كضرس العقل المسوس جذوره عميقة برغم القيح والصديد ، وتأتي الضائقة الإقتصادية العاصفة ومن بعدها قيد الدستور العجيب الذي إخترعه الإخوان هناك وقسم السلطة بشكل ثلاثي يفتت القرار السياسي ويجعل القرار في النهاية لعصابة الإخوان.
كان الشعب التونسي عنيداً وسباقاً كزرقاء اليمامة عندما رفض فرض مادة الشريعة الإسلامية كمصدر للقوانين كما في مادتنا الثانية ، وهذا بسبب الفكر البورقيبي الذي إستطاع أن يخلق شعباً مقتنعاً به ومؤمناً بأفكاره العلمانية والتي إستطاع بورقيبه أن يدخلها ويدمجها في الچينات التونسية ، لا أن تكون مجرد طلاء على السطح مثل شعوب أخرى مازالت تترنح في غياهب وسراديب الغيبوبة الدينية ، ربيع تونس الحقيقي قد بدأ لكن المخاض صعب ومن الممكن أن تكون هناك دماء للأسف ، وأتمنى أن تمر تلك المرحلة بأقل قدر من الخسائر وأن تكون فعلاً الإجابة تونس.