جود نيوز الكندية

خواطر مسافر إلى النور (٢٢٨)

” لو كنتَ ههنا لَم يمُت أخي“... لماذا تأخر الرب؟

-

قيامتنا في المسيح فوق الزمن

إن قول مرثا أخت لعازر الذي أقامه المسيح من الموت ”لو كنت ها هنا لم يمت أخي“ يوضح أن مرثا (وكذلك مريم كررت تلك العبارة) كانت تؤمن فعلاً بأن الرب أقوى من الموت. لكن الرب أستعلن لها ولنا في أحداث إقامة لعازر (يوحنا ١١) الأبعاد العملية للإيمان بقوة المسيح على سلطان الموت وأهمية أن نعيش الإيمان بقيامتنا في الرب بيقين يومي في حتمية خلاص الرب لنا رغم تحدي الشيطان بسلطان الموت.

فالمسيح عَلِم بمرض لعازر ”فلمّا سمع أنه مريض مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين“. ولم يأت إلا بعد رقاده بأربعة أيام. وبينما قد مات لعازر، إذا بنا نفاجأ بقول المسيح أنه نام!

"لعازر حبيبنا قد نام. لكني أذهب لأوقظه". واضحٌ أن الرب لا يقيم للموت وزناً بَعد. لقد قُضِي الأمر.

فعندما ”ظهر الله في الجسد“ (1تيموثاوس 16:3) أبطل الرب سلطان الموت في جسده الخاص الذي لبسه لحظة ميلاده من العذراء مريم في بيت لحم. والإستعلان المرئي لهذا كان ينتظر لحظة ملاقاة الرب للشيطان الذي جاء مُشهِراً سلطانه بالموت علي الرب في موقعة الصليب، لكي يدوسه الربُ ويُشهِّر به بقيامة الرب من بين الأموات. فلم يَعُد موتاً بَعد، بل انتقال.

لقد استَعلَن الرب بواكير غلبته لسلطان الشيطان بالموت على الإنسان خلال الثلاثة سنين والنصف الأخيرة التي قضاها الرب يكرز بخلاصه للإنسان ويقيم موتى البشر ويشفي أمراضهم التي هي إرهاصات للموت. وشرح لنا أنه لا سلطان للموت علينا لأن الحياة نصيبنا نحن الذين نؤمن به، وبصرف النظر عن رقاد القبر:

" أنا هو القيامة والحياة. مَن آمن بي ولو مات فسيحيا . وكلُ مَن كان حياً وآمن بي

فلن يموتَ إلي الأبد. أتؤمنين بهذا؟ “ (يو 11: 25).

الكلام واضح ... وأكرر ... لا سلطان للموت على الإنسان الذي في المسيح بصرف النظر عن رقاد القبر. إن ”ظهور الله في الجسد“ هو حلول الحياة ذاته في جسدنا .

كل إنسان يتحّد بهذا الجسد الإلهي قد صار مختوماً بحتمية الحياة الأبدية التي تمتد أصولهُا في ناسوت المسيح الحي والمُحيِّي بلاهوته ”فإن الحياة أُظهِرَت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب و أُظهِرَت لنا“. (1 يو 1: 2)

لهذا تأنَّي المسيح في المجيء إلى لعازر. ليؤكد لنا أن الموت لم يَعُد يخيفنا، سواء رقدنا أو ليس بَعد”أين شوكتك يا موت ؟. أين غلبتك يا هاوية؟“ (1 كو 15: 55)

فالرب أعلن وأثبَت - للذين يعتقدون أن القيامة هي حدث مستقبلي مثل مرثا "أنا أؤمن أنه سيقوم في اليوم الأخير“ - أن القيامة هي حدث آني (الآن) وليست حدث آتي في المستقبل - إذ نحن نعيش قيامتنا في المسيح دون اعتبار لرقاد أجسادنا.

لهذا مكتوب"طوبي للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن (منذ تجسد المسيح)“ (رؤ 14: 13).

ونحن نقرأ في هذه الآية أن الكلمات فقدت مدلولها القديم بعد ظهور الله في جسد الإنسان يسوع المسيح.

فكيف تستقيم كلمة الموت مقرونة بالرب في هذه العبارة " يموتون في الرب“ بينما الله هو الحياة ذاته إلا بسبب أنهم ليسوا بَعد أموات بل أحياء . فرقاد القبر الذي يجوزونه هو موت الجسد الذي وُلِدوا به من أمهاتهم، ذرية آدم الأول ” الإنسان الأول من التراب فهو أرضيٌ، والإنسان الثاني الرب من السماء“ (1كور-15-47).

فالذين في المسيح يسوع هم ذرية الإنسان الثاني يسوع المسيح الرب من السماء، وصارت لهم خليقته البشرية الجديدة بولادة سرِّية في رحِم المعمودية بالروح القدس ”ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم." (يو 16: 14).

نعم يرقد جسدنا العتيق مثلما حدث للمسيح بعد الصليب إذ دفنها المسيح في القبر، بينما انطلقت الخليقة الجديدة - التي أسسها بلاهوته في جبلتنا لحظة أن أخذها من مريم العذراء في بيت لحم - واقتحمت الخليقة الجديدة في المسيح أبواب الجحيم تكرز ببشري الخلاص للذين رقدوا علي رجاء المسيح ” أبوكم إبراهيم تهلل بأن يري يومي فرأي وفرِح“ (يوحنا ٨:٥٦) .

قال الرب لمرثا ”مَن آمن بي ولو مات فسيحيا". حرف السين قبل كلمة يحيا ليس دلالة على أن القيامة هي في اليوم الأخير. هذا المفهوم قالته مرثا ” أنا أعرف أنه سيقوم في اليوم الأخير“ واعترض عليه المسيح. بل حرف السين ضرورة لغوية لأن العبارة بدأت بكلمة لو. بمعني أنه لو حدث للمؤمن رقاد القبر (وهو لم يحدث بَعد) فسيستمر حياً في المسيح وليس للموت سلطانٌ على خليقة المسيح الجديدة التي في المؤمن.

فالإيمان بالمسيح هو القيامة الأولي لنا من موت الخطية وسلطان الشيطان ”مبارك ومقدس مَن له نصيب في القيامة الأولي“(رؤيا ٦:٢٠). فنحن الذين أتحدنا في المسيح قائمون فيه منذ الآن ”ها ملكوت الله داخلكم“ (لوقا٢١:١٧) حيث المسيح قائمٌ وحيٌّ في كياننا بمجد أبيه والروح القدس .

فالرب هو الحياة السرمدية التي منذ الأزل وإلى الأبد ” أنا هو الطريق والحق والحياة“ (يوحنا ٦:١٤) دون اعتبار لرقاد قبر . قال الرب ”حيث أكون أنا هناك أيضاً يكون خادمي“ (يوحنا ٢٦:١٢)، لذلك نحن أحياء في المسيح دون اعتبار لرقاد الجسد العتيق في القبر انتظارا لمجيء المسيح الثاني حين يُبتَلع الموت والجسد العتيق في الهاوية، ونحيا إلي الأبد: “مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى (الآن). هؤلاء ليس للموت الثاني (رقاد القبر ومصير الجحيم أو الهاوية) سلطانٌ عليهم" (رؤ 20: 6).

يا أخوات ويا أخوة إن أحداث إقامة لعازر هي فضيحة لأكذوبة سلطان الموت والخوف منه طيلة العمر الذي هو هاجس الذين لم يعرفوا المسيح بعد. فالرب أثبت لمرثا حقيقة حياة لعازر رغم رقاده. فإن صداقة المسيح ولعازر ليست عبثاً أو مشاعر عابرة بل هي شركة حياة وقيامة تفوق انتظار عمرنا و رقاد القبر:

” فلما رآي يسوع مريم تبكي، واليهود الذين جاءوا معها يبكون … بكى يسوع. وجاء إلى القبر.. وقال: «ارفعوا الحجر!» قالت له مرثا، أخت الميت: «يا سيد، قد أنتن لأن له أربعة أيام». قال لها يسوع: «ألم أقل لك: إن آمنت ترين مجد الله؟»

فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعاً، ورفع يسوع عينيه إلى فوق.. وصرخ بصوت عظيم: «لعازر، هلم خارجا!» فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع: «حلوه ودعوه يذهب». فكثيرون من اليهود الذين جاءوا إلى مريم، ونظروا ما فعل يسوع، آمنوا به.“

لهذا تأني الرب في مجيئه إلى ما بَعد موت لعازر. لكي يستعلن فينا الإيمان العملي بالقيامة رغم الموت. فلا نخاف لأننا نحن القائمون في المسيح يسوع قد لبسنا خليقته البشرية الجديدة فوق الخليقة العتيقة التي ترقد رقاد القبر. أما نحن فنعيش القيامة غالبين قبورنا قبل دخولها.

هكذا كان سلوك الرب خلال أحداث الأسبوع الأخير ... كان مقتحماً طريقه إلى الصليب "أمضوا وقولوا لهذا الثعلب (هيرودس الذي يريد أن يصلب المسيح): ها أنا أُخرِجُ شياطين، وأشفي اليوم وغدا، وفي اليوم الثالث أُكَمَّلُ (أقوم غالباً ولاغياً الموت وقبره)" (إنجيل لوقا 13: 32).

هكذا أيضاً نحن، كلُ مَن أتحد في المسيح يسوع، لا فرق عنده بين حياة زمنية أو رقاد قبر "لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح" (فيلبي ١:٢١).

" أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟" (1 كو 15: 55)

أختم بقولي إن الرب أراد خلال أحداث إقامة لعازر أن يحوِّل إيماننا بقيامته وغلبته لسلطان موت الشيطان مِن إيمان نظري نؤمن به مستقبلياً، إلى إيمان نعيشه كل يوم منذ الآن.

ولأن إيماننا بالقيامة والنصرة كذلك فمهما تأنَّي الرب في مجيئه فنحن مسنودين بقوة قيامته فينا بل وأحياء فيه رغم رقاد القبر. فلا ململة من انتظار الرب ولا مكان لعتابٍ مرثا "لو كنتَ ههنا لم يمت أخي" لأن الرب قال "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (متى ٢٠:٢٨) " فَتَأَنَّوْا أَيُّهَا الإِخْوَةُ إِلَى مجيء الرب. وَثَبِّتُوا قُلُوبَكُمْ" (يعقوب ٧:٥) ... والسُبح لله.