دردشة…بالعربي الفصيح:
ثقيلة هي ثياب الحملان! (قصة قصيرة) (3)
ملخص ما سبق: قام الباشمهندس، المقاول صاحب العمل، باستدعاء مراقبين عماله من المشاريع المختلفة في مكتبه ليختار واحد منهم ليحل محله خلال أسبوع سفره لأحد مصانع الخارج؛ وبالرغم أن المراقب ابو صلاح تم تعيينه عن طريق الواسطة وهو أصغرهم سناً، إلا أنه قد تم اختياره ليكون مشرفاً على زملائه ووافق أن يستلم هذا المنصب المؤقت.
حلقة ٣
وساوس مؤرقة!!
تعجبت لقهقهة الباشمهندس العالية فور ردي عليه بالإيجاب…ترى ماذا يخفي لي في باطنه؟! وما معنى هذا الضحك السخيف غير المبرر؟! …أهو استهزاء أم تعبير عن السعادة؟! اشعر انه استهزاء…فلا اعتقد أن نشوته تبلغ هذا الحد لمجرد قبولي المهمة…وليته يشرح بعدها ما قصد…لكنه استرسل بكل كبرياء:
- ع العموم يا أبو صلاح…دي مسؤلية كبيرة…وفرصة مش بطالة للتعليم…ناس كتيرة تحسدك عليها…اهم حاجة انك تسأل…اليوم اللي يعدي عليك و تحس انك فاهم كل حاجة…اعرف إنك على أول منحدر الفشل….ووراك رجالة…مجموعة زي الورد من المراقبين أهم…لو اتزنقت في أي حاجة رقبتهم سدادة!
ظللت أومىء له بابتسامة وأنا أنصت لهذا الخرف، لكن بداخلي نار حارقة…لماذا يوجّه إليّ تلك التعليمات في وجود الآخرين؟! ألا يملك ذرة تمييز؟! أيظن أني بلا كرامة؟! كأني أقل منهم سناً ومقاماً!!! أما هو فلايزال يخطب:
- وماتخافش…أنا لسة قدامي شهر على ما اسافر…في الشهر دا هنقعد مع بعض قعدات مكثفة وهادربك بنفسي ازاي تراجع وتكتب وتمضي كل الأوراق الرسمية والمستندات والطلبات…
- متشكر جداً يا فندم…
شكرته أخيراً، رغم انه لا شكر على واجب…أقل ما يجب أن يقوم بتدريبي…بعد كل تلك الإهانات المتخفية في زي إرشادات.
أذن لي بعدها بالذهاب…أنا وحدي دون الآخرين…ترددت لثانيتين ناظراً للبقية وظننت أنه سيصرفهم ورائي لكنهم ظلوا بالداخل!!! بكل تأكيد هم يتآمرون على الآن مع الباشمهندس ويخططون لفشلي لتكون سخريتهم منصفة؛ يا لها من مسرحية…مسرحية رائعة لإبعادي تماماً…هل أدخل مرة أخرى وأرفض هذا التكليف المضني!!! تماسك يا أبو صلاح…كن على قدر المسؤولية ولا تتسرع كل الأطفال!
بدأت دورة التدريب الفردية…أنا والباشمهندس فقط لا غير؛ أعجب لأمر الباشمهندس…فهو يبذل مجهوداً ضخماً لتعليمي فن الإدارة…من أدق التفاصيل لأعقدها…ولا يبخل عليَّ ابداً! تكريس عظيم من ناحيته لشخص مثلي قرر له الخيبة!!! لما إضاعة الوقت والمال…لعل هذا ايضاً جزء من المسرحية السخيفة؟…معقول؟! يظهر لي كشخص أمين في توجيهاته لي!!! لطيف لبق ومتفهم…عكس ما كنت أظن…إن كان فعلاً هكذا بلا رياء، فهو شخصية عظيمة بالفعل…بكل معنى الكلمة…رجل يجمع بين الصرامة والرحمة، التواضع والشموخ، البساطة والنبل…مزيج مهيب من الفضائل الحميدة المستقطبة…كاريزما تستحق النجاح! لا أنكر إعجابي بشخصه وأدائه، وكم أتوق إلى أن أكون مثله…صاحب عمل!
شهر كامل من التدريب الشديد ولم يخذلني مطلقاً! …لكن لا تزال تراودني الظنون…ربما لم تكتمل بعد هذه التمثيلية المملة…آه لو كانت تسرد بطريقة الفلاش باك فاعرف النهاية مقدماً…فلا استمر في أداء الدور! ليس على سوى الصبر والالتزام بما تعلمته إلا أن يثبت العكس…عاجلاً أم آجلاً ستظهر الحقيقة!!
استلمت حالاً كل صلاحياتي كمدير مؤقت للشركة إلى حين عودة الباشمهندس؛ وها أنا أمام هولات المجهول، لا أعلم من معي، أو من عليّ…أسبوع واحد في الجنة أم في النار؟!…لا أدري…قريباً جداً سيسن المراقبون زملائي أسنانهم نحوي ويتنمرون!! أنا لم أنسى يوم انفرد بهم الباشمهندس بعد تكليفي بتلك المهمة، ولا زلت لا أعلم ما يخبؤوه لي!! لا أنكر أن نظرتي للباشمهندس قد تغيرت بعد شهر من التدريب على يده! هو لا غبار عليه، و رغم عجزي عن تفسير آرائه وكلماته القليلة المبهمة إلا أني لا أشتبه فيه…إلى الآن، لكني لا أثق بالمراقبين أترابي…من يدري؟…ربما قد انتابتهم غيرة و حسد تجاهي…"هذا المراقب الجديد المدلل أصبح مشرفاً علينا"…وأن وشوا بي أمام الباشمهندس بعد عودته، فلن يشفع لي عنده أحد…لا أحد…أعزل أنا في مهب الريح!
يتبع في الحلقة القادمة من العدد التالي…