مراكِز رعاية كبار السِّن.. نظرةٌ واقعيّةٌ مُعاصِرة
في عصرِنا الذي يسمح للكلمة المنطوقة بالانطلاق حول العالم بنقرة زر عبر وسائط التواصُل الاجتماعي؛ لم تعُد هُناكَ ضوابط واضحة للمستوى الفِكري والمعرِفي لمن يُطلقون آراءهم عبر تلكَ الوسائط ليتلقَّاها المُتلقين دونَ غربَلة، ما قد يؤدي لبذرة رأي عام قائم على خلفيَّة معلومات غير صحيحة أو غير مُكتملة بما فيه الكِفاية، ومن تلكَ المُحتويات التي صادفتُها مؤخرًا مقطعًا مصورًا يعزف على أوتار مشاعر جمهور المُتابعين بنغمةٍ تقليديَّة توحي أن كُل كبار السن الذينَ تحتضنهم مراكز الرعاية المُجتمعيَّة المُخصصة لفئاتهم العمريَّة ضحايا أبناء عاقّين، موتى الضمير، دفعهم الجحود للتخلُّص من آبائهم وأمهاتهم للتملُّص من مسؤولية البر بهم والإحسان إليهم، دون مُحاولة رؤية الوجه الآخر للحِكاية، وتحديدًا حكاية كُل نزيل في تلك المراكز، والتي تختلف أحداثها – بطبيعة الحال- عمَّا حدثَ لزميلِه أو رفيقه في المكان ذاته.
بعض المُسلسلات العربية القديمة ذات الحبكات البسيطة والرسائل التقليديَّة المُباشِرة كان لها دورٌ في هذا النوع من التأثر على العقل الجمعي العربي، إذ صوَّرَت للمُشاهدين أنَّ كُلُّ نزيلٍ في تلك المراكز ضحيَّة ابنٍ عاق أو زوجة ابنٍ لئيمة، بينما الواقع مُغايرٌ إلى حدٍ كبير، إذ من جهة يجب الالتفات إلى أنَّ تلكَ المراكِز تعمل وفق نُظُم وضوابِط واشتراطات لا تفتح الأبواب على مصاريعها لمثل هذا النوع من الانفلات المُجتمعي.
ومن جهةٍ ثانية لا يعيش كُل البشر خط الحياة التقليدي ذاته من الولادة حتى الوفاة بحيث يتماثلون في الظروف الإنسانيَّة والأسريَّة والمُجتمعيَّة والماديَّة! هُناكَ أشخاص يكبرون في السن ولم يوفقوا لنعمة الزواج على الإطلاق ومن ثم لا أبناء لهم، وهناكَ من تزوجوا ثم تطلقوا ولم يتزوجوا بعدها ليُنجبوا أبناء، وهُناكَ من استمر زواجهم لكن لم يرزقهم رب العالمين بأبناء حتى بلغوا هذا السن، وهُناكَ من تزوجوا ورُزقوا بأبناء لكن مشيئة الخالق اختارت أن يتوفى ابناءهم قبلهم، ومن حالاتهم الصحيَّة تتطلَّب نوعًا خاصًا دقيقًا من الرعاية التي يستحيل توفيرها في منزل الأسرة، وغير هذه من الحالات والحكايات كثير.
ومن جهةٍ ثالثة ليسَ كل المُسجلين في كل تلك المراكز مُصنفين تحت عنوان "تلقّي الرعاية الدائمة"؛ بل منهم من يتلقى نماذج من الرعاية المنقطعة لمُساندة أسرته في توفير رعاية صحيَّة ونفسيَّة أفضل، ومن يتلقون الرعاية النهارية وحَسب للاندماج مع نُظرائهم في السن والاستئناس بالنشاطات الترفيهيَّة المُلائمة لهم ثم يعودون لأحضان منزل الأسرة مساءًا باطمئنانٍ ومحبَّة.
قد يكون من الحكمة عدم الانسياق وراء إطلاق الأحكام السطحيَّة على الآخرين دون إلمامٍ كافٍ بالحقائق، أمَّا المشاعِر المُتعاطفة فمكانها الصحيح بذل المُستطاع لمُشاركة تلك المراكز دورها المُجتمعي الحيوي، ومحاولة تقديم المُمكن من الدعم المعنوي والتطوُّعي لتغذية قُدرتها على الاستمرار وتطوير نشاطاتها عامًا بعد عام.