دردشة…بالعربي الفصيح:
ثقيلة هي ثياب الحملان! (قصة قصيرة) (6)

ملخص ما سبق: قام الباشمهندس المقاول، صاحب الشركة، باختيار المراقب أبو صلاح أصغر مراقبيه سناً وأقلهم خبرة، ليحل محله خلال أسبوع سفره لأحد مصانع الخارج؛ ودرب أبو صلاح إداريا على يد الباشمهندس شخصياً؛ ورغم عدم ثقة أبو صلاح في زملائه إلا أنه فوجئ بان الجميع يعامله بلطف و احترام، فشعر بالراحة و تمنى في نهاية أسبوع إدارته أن يطول، و بالصدفة، مد الباشمهندس بالفعل فترة غيابه ثلاثة أسابيع إضافية، قام فيها ابو صلاح بتحسين علاقاته بعماله و مراقبيه و عملائه لكن أعلنت الأخبار عن اختفاء طائرة عودة الباشمهندس ليلة قدومه في ظروف غامضة!
حلقة ٦
متى يُعتق الجبروت!
ساد الصمت المشوب بالتشويش والذعر اجتماعنا حول طاولة الاجتماعات مكتب الباشمهندس…واتجهت أنظار نزيه، وبدوي، وحسني، وكاظم، وأنا معهم، نحو المحامي الذي كان يتفحص أوراق الشركة بعناية ليقرر ما يجب فعله. وبعد لحظات، استقام المحامي في جلسته، وتحدث وهو يرتب الأوراق أمامه:
- طبعاً، مافيش حاجة واضحة لسه تجزم أن الباشمهندس في ذمة الله، أو انه مش راجع! لسه البحث مستمر وان شاء الله يرجع بالسلامة؛ بس بغض النظر…ما فيش أي ورقة رسمية تدي حق الإدارة لأي حد…غير ابو صلاح!
خرج كاظم عن صمنه أخيراً وقال بنبرة مستنكرة:
- ازاي؟ انا اعرف ان فيه أصول للكلام دا؟ و فيه أوراق بتشرح ازاي يتم اختيار نائب المدير في حالة غيابه.
- دا صحيح، بس في حالة إن المدير نفسه قام بتعيين نائب ليه، دا يلغي أي إجراءات تعيين جديدة!
- بس اللي نعرفه ان ابو صلاح، إتعين بشكل مؤقت بس… يعني لمدة محدودة…
- مش صحيح، الباشمهندس، عمل لأبو صلاح حق إدارة غير محدود المدة، وينتهي فقط عند رجوعه! و ان شاء الله يرجع بالسلامة و يكون دا وقت مؤقت فعلاً! فـهل فيه حد عنده اي اعتراض على ابو صلاح يا جماعة؟!
تعمدت أن لا أنظر لهم كأن الموضوع لا يعنيني…فقال بدوي:
- لا مافيش اي اعتراض، أبو صلاح قدها وقدود والكل بيحبه!
وتبعه نزيه أيضاً بتعليق جميل:
- بصراحة أبو صلاح أثبت في الفترة اللي فاتت انه مدير شاطر ومش هنلاقي أنسب منه!!
بقى المراقب حسني صامتاً و أكتفى بابتسامة و الإيماء برأسه بالإيجاب! أما كاظم فقد أجاب بأسلوب المعترض المغلوب على أمره:
- قال يعني لو اعترضنا…حاجة هتتغير!!!
ثم التفت إلي واسترسل:
- ماتزعلش مني يا ابو صلاح…بس انت لسه صغير انك تشيل الشيلة دي كلها! شهر ممكن، شهرين ممكن! بس مش على طول!!!
أجبته بسرعة، لكن بهدوء:
- مين بس قال على طول؟! دا بس لحد ما يرجع الباشمهندس!!! ما الباشمهندس راجع ان شاء الله؟! انت بتقاطع ليه بس يا كاظم؟!
فتردد كاظم بعض الشيء وأراد أن يرد، لكنه سرعان ما تراجع وسكت بينما شزرت نظرات الجميع تجاهه!
ها قد أظهرت ما في باطنك يا كاظم! مرحباً بالحقيقة التي بلا رتوش؟! ترى ماذا يخبئ لي البقية؟! لا تضطرب يا ابو صلاح…لا أعتقد أنهم يضرمون لك شراً وإلا كان قد ظهر اليوم؛ لكن توقع أن يظهر لك أعداء كثيرون في الفترة المقبلة!
***
…لا اصدق ما يحدث! أنا من يدير تلك الشركة الآن إلى أجل غير مسمى…بالطبع أقصد إلى أن يعود الباشمهندس!! قد يعود غداً، أو بعد شهر!!! فليكن…سأستمر بنفس الأسلوب حتى متى عاد أجد استحساناً في عينيه، كي لا يسيء إلىَّ أمامه شخص مثل كاظم! لكن ماذا إذا طالت مدة البحث عن الطائرة؟! والله ما كرهت شيئاً في حياتي مثل حالة التوتر المزعجة هذه! إلى متى سأظل عبداً للظروف منتظراً لحظة العتق! نسأل الخالق أن يقصر تلك المدة بقدر الإمكان حتى أدرك قدري…لكن أيضاً لا تجنح بأحلامك عالياً يا أبو صلاح!!! تريث وكن حكيماً، ودوداً وقليل الكلام، …مبطئاً في الردود، حتى تكسب الجميع في كلا الحالات!
***
برغم الأسى والقلق المهيمنين على الشركة، إلا أنني تعمدت في هذا الوقت العصيب أن تكون لي بصمة تفاؤل لبعث أمل في صدور العمال والمراقبين، ومن ضمنهم كاظم كي لا أظهر أي تحزب! كانت تعلو وجهي ابتسامة بشوشة مشجعة للجميع؛ وحتى لا تفسر كفرحة لاختفاء الباشمهندس، أصدرت أمراً لجميع المواقع أن يبدأوا يومهم بدعاء جماعي لطيف لعودته!
ولا عجب أن خبر اختفاء الباشمهندس قد سبب أيضاً أرقاً لعملائنا الكرام، فكان لابد لي من ترتيب مقابلات معهم لطمئنتهم؛ وكنت أصطحب معي بدوي لحنكته الفائقة في تعزيز موقف الشركة؛ والحمد لله، أعجبوا جداً بثبات نشاط المشاريع وخطة العمل المستمر بلا تصدع!
وهكذا استمر سير العمل على أكمل وجه لمدة أسبوعين بعد حادثة اختفاء الطائرة، وكأن الباشمهندس لايزال متواجداً وربما أكثر، إلى أن ذيع إلينا نبأ انتهاء عمليات البحث بلا أثر للطائرة أو الركاب!
هذا معناه أني…
مهلاً…. رويداً…لا داعي للحماس الآن…غداً تجمح الخيل بعيداً… ولا رادع لها…فمهلاً!
يتبع في الحلقة التالية من العدد القادم!