حزب الجبهة الوطنية ما بين اتحاد القبائل العربية وتمثيل الأقباط والتصريحات الغامضة

حالة من الحركة تسود الشارع الحزبي المصري، منذ أن تم الإعلان عن تأسيس حزب الجبهة الوطنية بداية العام الجاري، بعد قرار لجنة الأحزاب السياسية بالموافقة على الحزب الجديد. وهناك قضايا كثيرة تتنظر إجابات من الحزب الوليد، من بينها مدى تمثيل الأقباط في مختلف دوائر الحزب، على مستوى الهيراركية الحزبية في مختلف مستويات ولجان الحزب من ناحية، وكذلك التمثيل الانتخابي خلال الانتخابات البرلمانية المخطط تنظيمها نهاية العام الحالي 2025. وهل الحزب الجديد هو تجديد للمشهد السياسي والحزبي؟ أم أنه صورة مناظرة لأحزاب مستقبل وطن وحماة وطن والشعب الجمهوري؟
مع الأخذ في الاعتبار أن رأس الدولة المصرية، وقمة النظام السياسي، الرئيس عبد الفتاح السيسي، هذا الرئيس الوطني، لا يترك مناسبة أو فرصة إلا ويعبر بكل وطنية وصدق عن وحدة الشعب المصري، وأنه يعامل المصري باختلاف عقيدته ودينه، سواء، دون تمييز أو تفرق. وهذه صورة مغايرة تماما عما كان في الماضي من رئيس وطني يشهد له الجميع بأنه يضع مصر والمصريين على قمة هرم أولوياته.
ويكفي أن نذكر أن الرئيس السيسي، يهتم في إنشاء المدن الجديدة أن تكون هناك كنيسة، وفي التعامل مع المصريين وفق قواعد المواطنة والمساواة، ومشاركة المصريين مناسباتهم، ومنها الأعياد المسيحية حيث يهتم بالذهاب إلى الكاتدرائية. ولا يقف الحال عند هذا الأمر، بل يهتم فخامة الرئيس بأدق التفاصيل، الطعام المقدم للمصريين في المؤسسات العامة، حيث يوجه الرئيس السيسي بأن تتم مراعاة صوم المصريين المسيحيين. كل هذه الأمور تجعل الضوء الأخضر أمرا طبيعيا لتمثيل الأقباط في الحياة السياسية والحزبية، ليس لدي الحزب الجديد للجبهة الوطنية بل في المشهد السياسي والحزبي العام.
هنا، لا يمكن للقيادات الحزبية أو السياسية أن تتحجج بأن المسيحيين يحجمون عن المشاركة في الشأن العام، لأن هذا غير صحيح.
نعود للحزب الوليد، حزب الجبهة الوطنية، الحزب يضم في عضوية وزراء ونواب وزراء ومحافظين سابقين وشخصيات عامة من الوزن الثقيل والخبرة الكبيرة في العمل السياسي والحزبي والبرلماني، وهي شخصيات قريبة من دوائر صنع القرار. ونذكر من هذه الشخصيات على سبيل المثال لا الحصر: وزير الإسكان السابق عاصم الجزار، ووزير الزراعة السابق السيد القصير، ووزيرة التضامن السابقة نيفين القباج، والدكتور علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب السابق، بالإضافة لعدد من النواب منهم أحمد رسلان، ومجدي مرشد، وهشام مجدي، وعاطف مخاليف، وسليمان وهدان، وغيرهم من الشخصيات ذات الخبرات السياسية والحزبية العريضة في الشأن العام المصري.
هذا ويوجد في مصر 87 حزبا سياسيا حسب بيانات الهيئة العامة للاستعلامات، والكثير منها غير معروف للشارع المصري، ومن بين هذه الأحزاب: الجبهة الوطنية، مستقبل وطن، الوفد، حماة الوطن، المصري الديمقراطي الاجتماعي، المؤتمر، التجمع، العدل، وحزب النور السلفي وغيرها من الأحزاب الأخرى.
في هذا السياق، نشير إلى أنه خلال انتخابات مجلس النواب الأخيرة عام 2020، شهدت تصدر حزب مستقبل وطن للنتائج والأغلبية في البرلمان، حيث حصل على 315 مقعدا، تلاه المستقلون بعدد 93 مقعدا.
ويترأس الحزب الجبهة الدكتور عاصم الجزار. وتم اختيار كل من: الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب السابق، واللواء محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية الأسبق، ود. ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، والنائب محمد أبو العينين وكيل مجلس النواب، نوابا لرئيس الحزب.
كانت البداية للحزب وبعض قياداته بتصريحات يشوبها عدم الوضوح والغموض من بينها: أن الحزب لن يكون في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة. وهذا تصريح مبهم وغير مفهوم، إذا كيف تري قيادات الحزب دوره؟ ولماذا تأسس؟ وما هو دوره السياسي؟ وهل يخطط الحزب للمشاركة في السلطة أم أنه سيتقاسم المسرح السياسي مع بعض أحزاب الأغلبية مثل مستقبل وطن، وحماة وطن وغيرها من التي حصلت على مقاعد يعتد بها الانتخابات الأخيرة 2020؟
ومن التصريحات غير الواضحة ما قاله رئيس الحزب من أن الحزب "هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر. وأن الحزب لا يسعي للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي". ما يتحدث عنه هنا الدكتور الجزار أشبه بجماعة ضغط أكثر منه إلى حزب سياسي، رغم أن الحزب يضم قيادات وشخصيات سياسية ذات خبرة كبيرة في العمل السياسي الميداني والتنفيذي والبرلماني والأكاديمي.
وما يزيد اللبس تصريحات ضياء رشوان نقيب الصحفيين السابق ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات ونائب رئيس الحزب من أن الحزب "سيشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطي. وأن مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة". هل يحاول حزب الجبهة الوطنية غرس مفهوم جديد ومغاير للتقاليد الحزبية. الواقع يشير إلى أن الحزب جديد ووليد، ويحتاج بعض الوقت للحكم على أداءه، الذي سيتطور مع تطور الأحداث ومعطيات الواقع واحتياجات المجتمع والناخب.
إلا أنه لا توجد أي شخصية مسيحية في الدوائر القيادية للحزب. هذا أمر يفكرنا بحال الفرق الرياضية القومية في مختلف الألعاب، وخاصة كرة القدم اللعبة الشعبية الأولي في مصر، والمنطقة، حيث لا يوجد لاعب مسيحي قبطي في الفريق الوطني المصري، على الرغم من نسبة المسيحيين التي يعتد بها، ووجود شباب رياضيين مسيحيين على مستوى عالي، إلا أن الأندية الرياضية، التي تعتبر مؤسسات عامة تسيطر عليها تيارات تمنع وترفض فتح أو مواربة الباب لشباب الرياضيين المسيحيين. وهذا أمري يحتاج إلى نظرة وإعادة تقييم لموقف بحيث يعبر عن النسيج المصري الواحد.
وعلى الرغم من أن الحزب يعلن عن أهداف إصلاحية، ولكن هل يمكن اعتبار الحزب بأنه حزب مصري يعبر عن كل المصريين؟ هذا سؤال يحتاج إلى إجابات من قيادات الحزب، التي تتمتع بالخبرة الكبيرة في العمل السياسي والحزبي والتنفيذي. ولماذا لم يتم اختيار شخصية مسيحية تحظي بالقبول الوطني ضمن قياداته في الدوائر العليا.
بجانب هذه التصريحات الغامضة، تبقي مسألة تمثيل الأقباط في العمل الحزبي، لم يعلن الحزب حتى الآن في تشكيل هيئات المكاتب واللجان عن شخصيات قبطية معروفة يمكن أن تعبر عن أن هذا الحزب يمثل كل المصريين عن حق. ويبقي الاختبار الحقيقي للحزب في ترشيحه لمرشحين أقباط على قوائمه خلال الانتخابات البرلمانية القادمة نهاية العام الحالي. ولكن يجب على الحزب التمهيد الإعلامي والتسويق المجتمعي لهذه الشخصيات في أن يبدأ في الكشف عنها مع كوادر الحزب أم أنها ستكون مفاجأة وقت الانتخابات، ومن ثم يمكن أن تتعرض لخسارة السباق الانتخاب؟
ويربط البعض بين الحزب الوليد ورجل الأعمال إبراهيم العرجاني، ومؤسس "اتحاد القبائل والعائلات المصرية". وانتقد البعض الحزب بأنه الذراع السياسي لاتحاد القبائل، حيث جاء إبراهيم العرجاني ضمن الهيئة التأسيسية للحزب. علما بأن الحزب ينفي أن يكون ذراعا سياسية لاتحاد القبائل.
ننتظر من الحزب الجديد، حزب الجبهة الوطنية، إثراء العمل الحزبي والسياسي والبرلماني، والمساهمة في التعبير عن احتياجات المجتمع والمواطن المصري "المسلم والمسيحي"، وأن يكون الحزب مرآة حقيقية لتمثيل كل المصريين ومنهم الأقباط في مختلف مستوياته وكوادره الحزبية والبرلمانية.