صراع العلمانية والإخوان في تركيا

القبض على أوغلو عمدة إسطنبول ثم سحب شهادته الجامعية لمنعه من الترشح ضد أردوغان، أدى لمظاهرات حاشدة واستنفار عام، تلخيص المسألة في صراع ما بين أوغلو أو حزب الشعب الجمهوري وما بين أردوغان أو حزب العدالة والتنمية، هو تلخيص مخل، فالصراع هو أساساً ما بين العلمانية والإخوانية، العلمانية التي أرساها أتاتورك، ورسخ دعائمها، وتصاعد عندما فاز أوغلو بالانتخابات البلدية لإسطنبول رغماً عن أنف أردوغان، ثم عندما حدثت إعادة انتخابات فاز بها أوغلو مرة ثانية.
منذ هذا الوقت وأردوغان يتربص، تخيل أردوغان أن زمن التقية انتهى وحان وقت التمكين، لكن الشعب يريد أن يحمي علمانيته التي رسخها الزعيم أتاتورك، وهذا هو الدرس الذي لابد أن نتعلمه، فعلمانية أتاتورك لم تكن هدنة ولم تكن تحالفاً مستتراً أو صفقة مع الإسلاميين، مثلما حدث في مصر التي كانت علمانيتها زائفة وسطحية، لذلك سرعان ما سقط الطلاء عن الحائط المسوس، لكن ماذا فعل أتاتورك لجعل العلمانية عميقة ومتجذرة؟
أتاتورك ألغى مؤسسة الخلافة العثمانية التي كانت رمزًا للوحدة الدينية والسياسية في العالم الإسلامي، ما مثّل خطوة حاسمة نحو علمنة الدولة، ألغيت المحاكم الشرعية واستُبدلت بمحاكم مدنية ، تم إلغاء الوزارة التي كانت تدير الشؤون الدينية، وتم إنشاء مديرية الشؤون الدينية لتكون تابعة للحكومة العلمانية، استبدل أتاتورك الشريعة الإسلامية بقوانين مدنية وضعية، وألغى ارتداء الطربوش، جعل التعليم علمانيًا بالكامل، بحيث أصبح بعيدًا عن التأثير الديني، أتاتورك ألغى جميع الزوايا الصوفية والتكايا الدينية، سعى لتحرير المرأة من القيود الدينية، فسمح لها بالتصويت، ودخول الحياة العامة، ومنع تعدد الزوجات، وفرض الزواج المدني.
هذا جزء مما فعله أتاتورك الذي كان على يقين أن العلمانية قبل الديمقراطية، وان التغيير العلماني الاجتماعي هو سبيل للتحضر، وان الطبطبة على التطرف الاسلاموي السلفي والاخواني ينتهي بابتلاع الدولة وتدميرها، وان الديمقراطية عند الإخوان هي مجرد درجة سلم سرعان ما يتم ركله عند الوصول للقمة.