ماجي ماجد الراهب تكتب: الصفر الذي حيَّر العقلاء ...!
عندما يصبح الصفر الشماعة التي نعلق عليها الأخطاء الفادحة و المبررات الواهية لحالة التراخي عن مواجهة السلبيات التي تطل علينا برأسها من حين لآخر دون اي داعي . عندما يُصبح الحلم متوقف علي من لا حلم ولا طموح لهم ومن لا يعرفون سبيل سوي الاهمال المبالغ فيه إلي متي يمكننا ان نسمع عن هذه المشاكل في عصر يسابق نفسه في إنتاج العلماء والمبدعين والمثقفين ويتسارع لاستقطابهم من كل حدب وصوب ويطرح أمامهم الامكانيات المتعددة حتى يُصبح علامة في مجاله ! ثم نعود ونشكى نحن من هجرة العقول ورحيل القامات العلمية والأدبية .
لقد فتح صفر الطالبة " مريم ملاك ذكري " الجروح القديمة التي لم يستطيع أن يداويها الزمن يوماً من أزمات منظومة التعليم التي تُعتبر من مكونات البنية التحتية لأي مجتمع متقدم او يريد التقدُم . كيف يمكننا ان نصنع مجتمع متقدم علمياً ويهتم بعقليات بها من الإبداع والإمكانيات ما يكفي لإقامة مجتمع مُتحضر لا يقل قيمة عن الهند و اندونيسيا والكثير من الدول النامية التي أدركت قيمة العلم والتطور .
ان الصفر الذي حصلت عليه مريم في الثانوية العامه بعد مشوار لها من التفوق الحقيقي في رحلتها التعليمية لا يَرد علي عقل إنسان ان يكون حقاً لها علي الاطلاق فإذا فرضنا انها لم تجيب اجابة واحدة صحيحة في اي مادة فلا يمكن ايضاً انها لا تجيد الكتابه علي الأقل ! لكن هذا الصفر ليس سوي مهزلة بكل ما تحمله الكلمة من معني ليس في حق مريم وأسرتها المهذبة فحسب بل في حق مجتمع بأكمله يتطلع إلي مستقبل جاد في طريق التطور .
هناك علامات استفهام متعددة حول تلك الواقعه . كيف يمكن ان يخرج وزير التربية والتعليم بتصريحات متعجلة عن تأكيد صفر مريم قبل النتائج النهائية التي ستنتج عن التحقيقات التي تتم الآن ؟ هذا إلي جانب الاصرار الرهيب من سيادته علي أن من المستحيل ان يكون هناك خطأ وارد بداية من رئيس الكنترول مروراً برئيس اللجنة والمراقبين والمنظومة كلها ! هل الجميع منزهون عن الخطأ لا يخطئون ابداً ؟ هل الكمال وصل الي حده حتى لا تحدث شبة تزوير او تلاعب في الأوراق ؟ لماذا الهروب من مواجهة الأخطاء ودفن الرءوس في الرمال مثل النعام ؟ الي متي لا نصارح انفسنا ان هناك ثغرات وثغرات جسيمة يجب ان يعاد النظر فيها بعين الاعتبار كي نبدأ علي أرضية سليمة ؟
هذا الصفر إذا لم يعالج سوف يمتد لقطاعات آخري ان لم يكن ممتداً بالفعل . ان مأساة مريم التي تتردد منذ ان حدثت لها تلك الازمة علي المستشفي بسبب تدهور حالتها الصحية نتيجة شعورها بالظلم الشديد الذي تعرضت له بعد مسيرة لها حافلة بالنجاح والتفوق سوف تتكرر ان لم يتم وجود حلول جديه وجذرية لها . ان قضية مريم اصبحت قضية رأي عام يندد بالتدهور للمنظومة التعليمة بأكملها من مناهج متهالكة وتلقينية وتحمل من العتق ما يكفي ان يتم إعادة تأهيلها وإعادة تأهيل النظرة لفكرة التعليم في مصر إذا أردنا التغير الايجابي .
فالبحث عن حق المعلم والمتعلم من الحقوق المهدرة في مجتمعاتنا . فالعلاقة بين المعلم والمتعلم اصبحت في اوج توترها وذلك يرجع الي عدم توافر مناخ تعليمي يمتاز بالدقة ومراعاة حقوق الإنسانية ! . فما اكثر الحوادث اليوم بين معلم يُعتدي علية من قبل تلاميذه او تلاميذ يُبرحون ضرباً الي حد الاصابة من قبل معلمهم . كيف لهذا الجو المتوتر ان يخلق منظومة سليمة وإذا عدنا للأسباب فنجد ان سوء المناهج وتكدسها واختفاء الحصص الفنية التي تعتبر الآن شكليات من اهم الأسباب الرئيسيه لحدوث الازمة ناهيك عن الظروف المادية التي يوضع تحتها المعلم من غلاء المعيشة وعدم وجود تناسب مادي لما يتقاضاه من مرتب ولذلك يلجأ للدروس الخصوصية التي تعود علي كاهل الأسره وتبدأ الأزمة الدائرية . والأغرب من ذلك انه عندما تخاطب مسئول تجد لديه الدفاع المستميت انه لا غبار علي المناهج التعليمه او المنظومة بأسرها !
فلا يمكننا ان نري التقدم بهذه الطريقه من الاهمال والتواني عن فتح الملفات المسكوت عنها في جميع القطاعات يجب ان نتعلم فن إدارة الأزمات والمشكلات بطريقة علمية صحيحة حتى يتثنى لنا ان نتقدم اذا كانت لنا الرغبة الحقيقة في ذلك !
يا سادة الصفر ليس رقماً تم وضعة في شهادة مريم الصفر يبدأ من التخطيط العشوائي والرؤى غير الصحيحة والدفاع المبرر عن الأخطاء المتكررة فما أشبة اليوم بالبارحة ! نريد ان نبني وطن حقيقى يسع عقول قيمة نريد ان نري انجاز يوازي انجاز قناة السويس الجديدة داخل منظومة التعليم حتى نستطيع ان نري الغد وذلك لن يتم دون وقفة جادة وصريحة امام منظومة تعد هي الاصعب بين جميع المنظومات فالتعليم شبكة معقدة تتصل بها السياسية والأمن والاقتصاد والسياحة والصحة والفن والحضارة والكثير من المجالات الإنسانية فعلينا الانتباه حتى نصل إلي المستقبل بسلام .