ماجي ماجد الراهب تكتب: بشر خلف أسوار الحياة ...!
كنتُ أتصفح منذ فترة ليست بكثيره الجرائد اليوميه لمعرفة أحوال البلاد والعباد وأذ أُصادف ملف في جريدة المصري اليوم أعده الأستاذ/ وليد مجدي أستوقفني بشده عن مستشفي الخانكه للأمراض النفسية وذلك بعدما ذاع في الفترة الاخيرة موت عدد ليس بقليل من المرضي يُقدر بحوالي عشر مرضي ان لم يكن هناك اعداد قابلة للزياده !
وكان السبب الذي تم تداوله ان الوفاة ترجع الي الموجة الحاره التي ضربت البلاد مما ادي الي وفاة هذا العدد . وهل هذا امراً مبرر للوفاة ؟ لا ننكر ان الموجة الحارة لها ضحاياها ولكن كيف يمكن ان يحدث هذا داخل مستشفي ومركز من اكبر مراكز الشرق الأوسط للرعاية النفسية ؟
هل يعقل عدد المرضي الكبير داخل العنبر الواحد والذي بالطبع يمتلأ بالاسره قريبة المسافه من بعضها ؟ وهل يعقل انه هذه الغرف مجردة من ابسط مصادر التهويه الصالحة للإستخدام الآدمي ( المروحه ) مما يدفع المرضي الي الجلوس ارضاً من اجل استشعار البروده ؟ هذا غير التجهيزات المُتهالكه لسبل الحياة السوية .
كيف يمكن لمواصفات كهذه ان تُصبح مكان للتعافي لهؤلاء البشر كاملين الحقوق . بالحقيقة نحن ننعتهم "بالمجانين" في بعض الأحيان ولكن في الحقيقة قمة الجنون عندما نضعهم نحن في ظروف شحيحة الحياة ونطلب منهم التعافي . فنحن لا نكتفي بجهلنا في اساليب المعاملة والمعالجة في بعض الأحيان معهم بل نضاعف مُعانتهم بكثرة من عدم توفر مباني جيده ومجهزة ومعاملة كريمة تليق بإنسانيتهم واساليب علاج متطورة ومبيت يساعدهم في التعافي بشكل صحيح . !
هل لا يستحقون الأهتمام الذي اخذه إنسان الغاب في حديقة الحيوان بسبب ارتفاع الحرارة او الأرز بلبن الذي يتم تقديمه للدب هاني ورشاشات المياة للأسود والنمور من اجل تخفيف الحر ! انا لا اسخر تماماً من حقوق الحيوان ولكن في الحقيقة اذا لم نعرف ان نحترم حقوق الإنسان الذي يعاني من امراض عقلية او صراعات نفسية او إدمان لن نعرف ان نحترم بحق حقوق الحيوان . يجب ان نعترف اننا نعاني من جهل شديد بثقافة الطب النفسي والأمراض النفسية وان كان في الأونة الآخيرة بدأ يظهر درباً من التنوير حول اهمية الرعاية النفسيه ولكن للطبقات الراقيه التي اخذت تدرك اهمية الطب النفسي وان المرض النفسي اصبح واقعاً مُنتشر بسبب الظروف الإجتماعية والإيقاع السريع للمجتمعات ففي اعتي الدول تقدم نري الأهتمام الشديد بالطب النفسي وعلاج الإدمان .
واتصور ان مسلسل " تحت السيطره " الذي ابدعت في كتابته المبدعة / مريم ناعوم وكل فريق العمل الرائع الذي ساهم في هذا التنوير وعلي رأسهم الممثلة الموهوبة / نيللي كريم استطاع ان يقدم توعية وتنوير من الدرجة الأولي بل صدمة كانت يجب ان تتم منذ زمن حتي نعي انه ليس شيمة ان يكون لدينا مريض نفسي او مدمن يحتاج منا رعاية متكاملة وأهتمام من نوع خاص ليس من اسرته فحسب بل من مجتمعه أيضاً الذي يُعد سبباً رئيساً في حالته . انتهاك حقوق هؤلاء البشر يفضي بالضرورة الي انتهاك حقوق الذين يعانون من امراض عضوية فالإهمال صفة وأسلوب حياة اذا تم تعميمة يصاب به كل الأفراد .
اذا ارادنا التقدم الإنساني اولاً قبل التقدم الصناعي والإقتصادي والسياسي فيجب ان نواجه التقصير والتواني لانه من دون تقدم إنساني من المستحيل ان يحدث تقدم في اي مجال آخر حقوق الإنسان في المواثيق الدولية ان لم يتم تفعيلها تصبح اوراقاً لا تستحق الأحبار التي كُتبت بها ويحضرني في الختام جملة للاديب العالمي نجيب محفوظ تقول : النباتات لا تملك العقل . ولو غطيتها بصندوق فيه ثقب ، لخرجت من هذا الثقب متتبعه للضوء ، فما بالنا لا نتبع النور ونحن نملك العقول ...!