نجاح بولس يكتب: مزيد من عزل المجتمعات ، إنهيار وشيك للحضارة الإنسانية .. السيناريو الأسوأ لأزمة كورونا
للأسف الوضع الصحي يزداد سوءاً على مستوى العالم بسبب تداعيات إنتشار فيروس كورونا ، الأمر يتطلب الحرص ومحاولة السيطرة على إستمرار تفشي الوباء أو إيجاد حلول للتعايش معه ، كما سبق وتعايشت المجتمعات مع أوبئة كثيرة هددت البشر لفترة طويلة قبيل تحجيم تأثيراتها الصحية بإكتشاف لقاحات مناسبة قضت على أخطارها ولم تنهي وجودها ، كما لن تنهي أي لقاحات أو إجراءات وقائية على وجود أي من أنواع الفيروسات ومن بينها كورونا .
الأخطر من الوضع الصحي هو الوضع الاقتصادي الذي ينهار تدريجياً بسبب تبني كل الدول لسياسات عزل المجتمع كآلية أساسية في المواجهة ، فتم تجميد أنشطة أغلب المنشأت حول العالم وتعطلت كثير من الخدمات الهامة في شتى الدول ، فكل يوم يمر تستنزف معه الدول الكبرى مليارات الدولارات من ميزانياتها ، مما يهدد بتولد كوارث أخطر وأكثر تأثيراً من خطر الوباء المتفشي ، حتى أن إستمرار الحال كذلك لعدة شهور قد تتلاشى معه قوى كبرى من خريطة الأقتصاد العالمي ، تتبعه تدريجياً غياب قوى سياسية وعسكرية عظمى وصعود قوة بديلة ، فقد يكون العالم بعد كورونا مختلفاً تماماً عنه قبل ظهور الفيروس الأكثر إستحواذاً على إهتمام البشر في الأسابيع الماضية .
الحرص على صحة الشعوب واجب وضروري ولكن لا بد من إيجاد آليات أخرى للوقاية بخلاف عزل المجتمع وتجميد الأنشطة الإقتصادية ، فما أنجزته الحضارة الإنسانية خلال قرن من الزمان تهدده تلك الإجراءات الوقائية غير المسبوقة ، فسيمتد تأثيرها سلباً على كافة الأنشطة الإنسانية التي باتت متشابكة ومعقدة لدرجة أن إنهيار أي منها يتبعه إنهيارات متتالية في باقي المجالات والأنشطة .
إنهيار الاقتصاد سيؤثر على البناء الاجتماعي للشعوب بسبب فقدان ملايين المواطنين لوظائفهم في الشركات الكبرى الأكثر تأثراً بتزبذبات السوق وتوقف حركة التجارة الدولية ، فضلاً عن تأثر الشركات والمنشأت الصغيرة التي يعتمد عليها ملايين البشر حول العالم ، وحتماً ستسود توترات اجتماعية إذا حدث وأشهرت بعض البنوك إفلاسها وفقد المواطنين مدخراتهم ، مما يشكل كارثة ويدفع في إتجاه مواجهات عنيفة بين حكومات الدول ومواطنيها .
الإنهيار الاقتصادي سيؤثر على باقي المجالات الهامة لإستمرار تطور الحضارة الإنسانية وأهمها البحث العلمي والإكتشافات العلمية ومنظومة التعليم وصناعة الأدوية وحركة الملاحة الجوية والبحرية ومجال التكنولوجيا والبرمجيات ، فجميعها وغيرها الكثير قطاعات هامة تمارسها شركات كبرى تتأثر سريعاً بأي تقلبات إقتصادية وقد يؤدي إنهيار أسهمها إلى توقف أنشتطتها وإعلان إفلاسها .
مزيد من الإنهيار الإقتصادي سيؤثر على موازنات الدول وبالتالي على قطاعات الخدمات الصحية والتعليمية والأمنية وغيرها ، وكذلك على مشروعات الدعم المقدمة للفقراء ومحدودي الدخل ، مما سيدفع نحو تهديد السلام المجتمعي للشعوب وإنتشار الجريمة في المجتمع .
لا حلول سوى عودة الحياة الإقتصادية في خلال أسابيع قليلة ، وإستحداث آليات أخرى للوقاية غير مؤثرة على النشاط الاقتصادي ، ولعل تكليف مصانع وشركات الأدوية حول العالم لإنتاج عدد وفير من إختبارات الفيروس سيساعد في إكتشاف الإصابات مبكراً بالكشف الدوري على المواطنين في أماكن عملهم ، والإكتفاء بعزل الحالات المصابة بديلاً لعزل المجتمع كله وتجميد الحياة الإنسانية .