العقلية الدينية المصرية المتحجرة
المصريون وعبر تاريخهم الطويل من بداية تكوينهم لدولتهم حتى اليوم هم متحجرون دينيا ومتعصبون لأبعد درجات حتى الموت للدين السائد وسطهم وفى كل فترات التاريخ الطويل لمصر الممتد لآلاف السنين، كان ما يميز الشخصية المصرية سواء كانت فرعونية يهودية مسيحية إسلامية، هو أن المصري ينتمي بشدة إلى الديانة السائدة في المجتمع في ذلك الوقت، وليست الديانة فقط، بل يختار أشد طائفة متطرفة في تلك الديانة، ويدافع عنها بمنطق الحياة بها أو الموت بدونها.
ولنراجع ونقرأ التاريخ لنرى تلك الآفة بوضوح منذ زمن الفراعنة نجد أن الملك أخناتون عندما جلس على عرش مصر العظيمة الممتدة حتى إلى ما وراء الفرات والمتزوج من الملكة نفرتيتي الجميلة أسس عبادة جديدة وحد فيها الإلهة الكثيرة الموجودة في مصر في عبادة إله واحد هو أتون، وأنشأ لذلك مدينة جديدة في المنيا سماها "تل العمارنة" لتكون عاصمة جديدة لمصر، وتكون مركز تصدير لعبادة أتون. ولكن الامونيين الذين كانوا الأكثرية ويعبدون إله الشمس لم يعجبهم ذلك فقاموا بعزل أخناتون في أخر أيامه ثم أبادوا مدينته بالكامل، وقتلوا كل كهنة أتون وطمسوا كل أثر تقريبا لأخناتون ولعبادته، وأعادوا الملك إلى العاصمة القديمة "طيبة" ومحو كل سجلات تشير من قريب أو بعيد عن فترة ملك أخناتون حتى أن الملك توت عنخ أمون غير اسمه من توت عنخ أتون إلى توت عنخ أمون. وبالرغم من انه كان هناك ديانات كثيرة في مصر إلا أن ديانة الأغلبية وهي الامونية أبادت تماما ديانة كاملة أفراد ومعابد من على وجه الأرض بلا رحمة أو إنذار.
وبعد ٢٠٠سنة من دخول الإسلام مصر، وفى عهد الخليفة العباسي المأمون كادت ثورة البشموريين ان تنجح لطرد العرب الغزاة من ارض مصر ولكن تحالف البابا يوساب مع الخليفة المأمون ضد شعب كنيسته أدى إلى انكسار البشموريين وقتل جميع رجال الثورة مسلمين ومسيحيين وبيع أطفالهم ونسائهم في العراق والشام.
في تلك الفترة كان أعداد مسيحيين مصر هي الأكثرية والذين يدينون للولاء للبابا هم غالبية سكان مصر الذين وشوا بإخوانهم البشموريين، فقط لنصرة البابا والخليفة المأمون، ثم بعد ذلك ما حدث من الفاطميين الشيعة الإسماعيليين ضد العباسيين السنة المصريين من مذابح حتى افنوهم.
وفى ذلك الوقت كانت الأغلبية شيعية وفى العصر الحديث وصلت الشخصية المصرية المتحجرة دينيا إلى قمة تعصبها للمعتقد وانضمامها إلى اقصى حركات التطرف فنجد أن المسيحيين الأرثوذكس وهم الأغلبية المسيحية في مصر يناصبون العداء للبروتستانت والكاثوليك، ولولا انهم أقلية بالنسبة لسكان مصر لقتلوا بعضهم بعض، ونسوا الوصية التي تقول "أحبوا بعضكم بعض كما أحببتكم".
والمسلمون السنة الآن تأخونوا وتسلفوا وكونوا العمود الفقري لحركات الإسلام السياسي والحركات الإرهابية، وقتلوا الشيعة والبهائيين والمسيحيين وحتى السنة الذين لا يدينون بمذهبهم وتركوا الإسلام الوسطى العادل وارتموا في أحضان التطرف.
وهكذا نجد أن تعصب وتطرف المصري للديانة التي تسود نابع عن سببين: الأول هو طبيعة الشخصية المصرية التي تختار دائما نصرة معتقد الأكثرية بطريقة تميل إلى حد التطرف بجهل دون الرجوع إلى العقل والتفكير، وثانيا وهو الأهم، تأثير رجال الدين على وجدان الشخصية المصرية وتشكيلها على حساب مصالحهم وأطماعهم، حمى الله مصرنا من التطرف ورجال الدين المتسلطين والمأجورين ... ولك الله يا مصر.