A Society Living in Fear is a Dying Society أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات

دولا أندراوس تكتب: المنهج اللا عنفي

كلما سمعت عن دعوات تنادي بالعنف وتبرر استخدامه ولو من أجل تحقيق غايات يبدو بعضها في ظاهره عادلاً وسامياً ونبيل المقصد، تقفز إلى الذهن على الفور صورة غاندي، ذلك الرجل الضئيل البنية الهزيل البدن الضعيف النظر، الذي لم يكن يميزه عن غيره من آلاف الذين شاركوه حلمه العظيم بتحرير الوطن سوى خاصية واحدة فقط هي إيمانه العميق بالمنهج السلمي. لم يكن غاندي نبياً ولا فيلسوفاً ولا رئيس طائفة، ولم يكن ناشطاً ولا مصلحاً ولا محللاً، ولم يكن زعيماً، ولا مؤسس حركة ولا حامل أي لقب من أي نوع. كان رجلاً عادياً أحب وطنه بصدق وأخلص، حتى الموت، لقناعته بقدرة المقاومة السلمية على تغيير العالم. تعرض غاندي في مستهل حياته لحادثة أثرت على مجراها فيما بعد. حيث كان قد قبل بالعمل كمحام لدى هيئة ترعى شؤون الهنود في جنوب أفريقيا. وكان عليه أن يأخذ القطار إلي البلدة التي بها مقر عمله. فحجز تذكرة في الدرجة الأولى كما يفعل المحامون واستقر في مكانه بالقطار استعداداً للرحلة لكن أمراً ما حدث عكر صفوه وقلب حياته كلها رأساً على عقب.. وهو أن أحد المسافرين البيض اعترض على وجوده في عربات الدرجة الاولى.. ومن ثم أمره مفتش التذاكر أن يغادرها. كانت صدمة قاسية لغاندي الذي رفض بإصرار مغادرة مكانه قائلاً أنه دفع حق التذكرة بالكامل وأن من حقه البقاء...فقامت مشادة بينهم تم على اثرها إلقائه من القطار بحقائبه.. وانتهى به الأمر إلى قضاء الليلة في البرد والعراء. كانت تلك هي نقطة التحول التي قرر بعدها أن يبدأ جهاداً مستميتاً من أجل الاستقلال مؤسساً حملته على مبادئ المذهب الهندوسي الذي يسمى أهيسما والذي هو الامتناع عن الأذى والرغبة في فعل الخير ومقاومة العنف بدون سلاح.
وما بين البريطانيين الذين كانوا يميلون إلى رؤية النضال الهندي من خلال منظور التاريخ الاوروبي متمثلاً في الثورات الفرنسية والروسية والصراعات القومية الايطالية والأيرلندية، وبين الساسة الهنود الذين ارتأوا أن القوة لا تفرض إلا بالقوة وأنه من الحمق أن تضحي بمكاسب إستراتيجية من أجل أسباب أكثر مواءمة للاخلاق منها للسياسة، بين هذين الفريقين واجه غاندي التحدي الاكبر لتغيير تلك الثقافة وللاحتفاظ بالطبيعة السلمية لحملته. وبالفعل كانت الحركة الهندية المتحررة التي قادها غاندي من أهم الحركات التي أدت في نهاية المطاف إلى إنسحاب البريطانيين وتحرير الهند سياسياً وحصولها على استقلالها عن بريطانيا.
لقد آمن غاندي بأن استخدام العنف لمواجهة العنف ليس علاجاً منطقياً له بل هو منهج يمنحه إستمرارية واستقواء إذ يوجد أشكالاً من ردود الفعل المتطرفة التي تغذي بنية العنف وتضمن بقاءه فآثر أن يواجهه بطرق سلمية وهو نهج سليم تماماً. فالعنف الذي هو تعد متعمد على الآخر ونزوع إلى استخدام القوة لارغامه على إتيان أفعال تتناسب مع رغبات صاحب القوة وإنتماءاته وأهوائه وتقديراته الذاتية وتعريفاته للقيم الأخلاقية هو وسيلة الأنذال والمجرمين والفاشلين لفرض رؤاهم وإجبار الناس على الرضوخ لمنطقهم والقبول بأمور لولا التخوف من الأذى لما قبلوا بها. ومحاربة هؤلاء بنفس أسلحتهم تضمنا إلى صفوفهم وتجعلنا مثلهم. ولهذا فإن مسؤولية نشر ثقافة التسامح تقع على الجميع وبخاصة القائمين على مؤسسات الدولة من أجل إصلاح المنظومة الثقافية والقانونية والتركيز على إعلاء قيم التعايش والتشارك لكي نسمو عن التشبث بما نختلف فيه إلى الوعي والتمتع بما نشترك فيه بحكم الانسانية.