دولا أندراوس تكتب: يوم عادي
يوم الاثنين ..أجر نفسي من الفراش جراً برغم البرد والنعاس ...أتلمس طريقي في الظلام كى لا أوقظ أحداً ... ارتدي ملابسي في عجلة... أفتح الثلاجة واخطف أي شئ أراه أمامي وأهرع إلى الشارع ..السيارة مدفونة في كومة من الثلوج ... أغالب القشعريرة التي سادت بدني كله وأحاول أن أزيح الثلج من عليها وأنا العن الشتاء وبرودته وأيامه.. أخيراً وبعد كفاح ما يقرب من ثلث الساعة أكون جالسة داخل السيارة واضعة حزام الامان وفي الراديو صوت مذيع نشرة الاخبار يعلو منبئاً بالمزيد من المصائب ومتنبئاً بالمزيد من الثلوج.
الشارع مزدحم بالسيارات برغم الوقت المبكر والجميع -بمن فيهم أنا- شبه نيام.. كم أتوق إلى فنجان قهوة يعدل المزاج ويكمل الإستيقاظ! يشرد ذهني في المهام التي تنتظرني بالعمل وابدأ في وضع خطة لتحديد مسار اليوم وتنظيم المسؤوليات الواقعة علي عاتقي. لكن فجأة وبينما أنا في عز التفكيرإذ بي أفيق على صوت إصطدام مريع ينتفض له كياني كله.. أستر يا رب.. نظرت فإذ بإحدى السيارات قد خرجت عن مسارها بعد أن فقد قائدها السيطرة عليها فصعدت به فوق الرصيف وانقلبت مصطدمة بعامود نور. إستغرق الموقف كله بضع ثوان لكنها كانت كفيلة بأن تمحو أثار النوم عن عيني تماماً وتجعل قلبي يدق بعنف شق علي معه أن التقط أنفاسي لبضع ثواني.. ربما انتقل خلالها شخص من الحياه إلى الموت. إحساس مريع.. اللهم ارحمنا من مثل هذه الكوارث! بسرعة امتدت يدي تبحث في حقيبتي عن الموبايل.. وإتصلت بالإسعاف لأبلغهم بما حدث وبموقع السيارة.. وبرغم الرهبة التي تملكتني والرجفة التي سرت بأوصالي إلا أني اضطررت لإستكمال مسيرتي نحو العمل كأي يوم عادي. وهناك حاولت كثيراً أن أمنع ذهني من أن يشرد فيما حدث ولكني لم استطع. فبعض الأيام تدعو لإعادة الحسابات وتحمل دعوة للتيقظ واليوم بلا شك هو احدها.
في طفولتي كنت اكتئب جداً عند مرور الأعياد..فتأتي أمي إليّ وانا قابعةً في ركن مظلم بغرفة الجلوس تسألني عن سر حزني فأجيبها بنظرة غاضبة معترضة بأن العيد إنتهى. فكانت تربت بحنان على كتفي وتقول: كل يوم عيد.. كل يوم يمر بسلام وصحة على اسرتنا الصغيرة تلك هو بمثابة العيد..ثم تقبلني وتمضي. كانت اجابتها تزيد من غضبي..ما هذا الهراء كيف إذاً لا نحتفل كل يوم وكيف لا نحظى بالبمب والبالونات والعيدية كل يوم؟ لم أكن أفهم. لم أكن أدرك أن بعض الأيام شريرة خادعة تأتي كما يأتي غيرها وتشرق بصباح صحا جوه ورقت شمسه بينما هي تضمر لنا الغدر وتحمل لنا المصائب بين ثنيات لحظاتها. ولكني أجدني اليوم وحتى بعد أن أدركت طبيعة الأيام، لازلت أثق بها. لازلت أترقب الشمس كل صباح وانتظر طعاماً على المائدة كل وجبة واتوقع زفيراً بعد كل شهيق. وقد سألت نفسي كثيراً عن السبب الذي يجعلنا نضع ثقتنا في المستقبل بالرغم من علمنا التام بغدر الأيام أهو الغباء؟ أهو الكسل؟ أهو الروتين؟ قد تكون الإجابة هي أحد هذه الأسباب وقد تكون مزيجاً منها كلها ولكننا أيضاً لانستطيع أن نغفل الامل. فمادام فينا نفس يتردد سنظل دائماً وابداً نحيا بالأمل وسنظل نرجو ونتمنى أن يملأ الله حياتنا بالطمأنينة والسلام والسعادة وأن يجعل لنا من كل يوم عيد!