متى ننضج؟!
فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا. (يوحنا ٨: ٣٦) آية محفوظه للجميع حتى لغير المؤمنين لكن هيهات أن نصل لتلك الحرية ونحن مكبلين بقيود من كل ناحية، وهنا في هذا المقال ألقي الضوء على بعض القيود المكبلة حياتنا ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
"حرية الاختيار"
ففي الوقت الحاضر أصبح الكثير من الناس يعانون من تعب الاختيار، إذ يواجهون الكثير من الخيارات في اليوم الواحد، رغم أن حرية الاختيار هي عطية وهبة من الخالق إلا أنها أصبحت تجلب الكثير من المتاعب والمعاناة، لأننا لم ننضج بعد، بل نريد الاستسلام لشخص يقوم بالاختيار نيابة عنا ليريحنا من عبء الحرية الذي لا يحتمل، ذلك العبء الذي يجبرنا علي اتخاذ قرارات صعبة، غالباً الاختيار يصبنا بالإعياء، لهذا السبب يسقط الكثير من الناس ضحايا لمن هم في منصب أو من يأخذ عجلة القيادة في الكنيسة أو الطائفة التي ينتمي إليها وبذلك يسلب حريته ويتحول الشخص المسلوب الإرادة إلى شخص تابع في كل شيء و هذا الأمر يطوق إلى أصحاب المناصب القيادية ويسقطوا على هذه التبعية مسميات لها شكل روحي مزيف منها الطاعة العمياء.
"حرية الفكر"
رغم أن الله خلقنا و امتزنا عن كل المخلوقات بحرية الفكر ورجاحة العقل إذ يقول الكتاب «لأَنَّهُ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ فَيُعَلِّمَهُ؟» وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ. (١ كورنثوس ٢: ١٦) وأيضا أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا. (فيلبي ٤: ٨)، أن أننا وضعنا أنفسنا في قالب من التدين الزائف الذي يمنع أن نفكر بحرية رغم أن حتى في العهد القديم قال الرب في سفر اشعياء "ذَكِّرْنِي فَنَتَحَاكَمَ مَعًا. حَدِّثْ لِكَيْ تَتَبَرَّرَ". (إشعياء ٤٣: ٢٦).
كثيرون يخافون من طرح الأسئلة لأنهم يخافون من الإجابات، ويسيرون في الطريق الروحي وهم عميان خلف قادة عميان ولا يدرون "هَلْ يَقْدِرُ أَعْمَى أَنْ يَقُودَ أَعْمَى؟ أَمَا يَسْقُطُ الاثْنَانِ فِي حُفْرَةٍ؟" (لوقا ٦: ٣٩)، بل يؤمنون بالقول السائد في الإسلام ببراعة فائقة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ".
"سياسة القطيع"
يلزم أن نتخلى عن سياسة القطيع، هناك مثلاً إنجليزي يقول: ليس كل ما يلمع ذهبا! ليس كل شخص ذو منصب أو مقام سواء كان أسقف أو كاهن حتى لو كان له شكل التقوى من الخارج يصلح أن يكون قائد أو مرشد أو يسلب حريتك لتصير تابع له بلا وعي.
فاذ كان لديك شخص ما يحاول أن يجعلك تنقاد وراءه أو يسعى للسيطرة عليك أو أن يعزلك عن الآخرين أو يحدد لك حتى نوع الكتب التي يجب أن تقرأها والتي يجب أن تبتعد عنها بحجة أنها تحوي على أفكار لا تتفق مع إيمانه أو إيمانك أو يقول لك أن هذه الكتب بها هرطقات ضد عقيدتك، أرجوك أن تبتعد عن هذا الشخص لأنه ببساطة يحاول السيطرة عليك وإيهامك أنه يخشى على إيمانك من الانحراف بل هو يخشى على نفسه ومركزه هو، هو يحاول أن تسير في قطيعه هو بلا تفكير، فاحذر مثل هؤلاء.
تخلي يا صديقي عن تقديس الأشخاص بثوب الدين لان كثيرين يأتون في ثياب الحملان ولكن من الداخل هنالك موت كما قال الكتاب المقدس "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ." (متى ٢٣: ٢٧)
هل أدركت عزيري ما هو النضوج؟ أليس نحتاج جميعاً إلى أن ننضج، فالنضوج هو رحلة حياة نحو الكمال في الملكوت أم نحتاج مرة أخرى أن نرجع إلى اللبن مرة أخرى كما قال العظيم بولس لأهل كورنثوس "وَأَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَال فِي الْمَسِيحِ، سَقَيْتُكُمْ لَبَنًا لاَ طَعَامًا، لأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ تَسْتَطِيعُونَ، بَلِ الآنَ أَيْضًا لاَ تَسْتَطِيعُونَ" (١ كورنثوس ٣: ١، ٢)
عاطف حنا