دردشة…بالعربي الفصيح:
لا إصلاح…بلا صلاح!
هاجرت إلى كندا في عام ١٩٩٤؛ وكان تعداد كندا آنذاك ثلاثين مليون نسمة، واليوم، بعد قرب الثلاثين عام، لا يزيد تعداد كندا عن تسعة وثلاثين مليون نسمة! وهذا يثير التساؤل: كيف لم يزد تعداد الكنديين بشكل ملحوظ في خلال الثلاثين عام الماضية! ربما يعود هذا إلى ظاهرة الزواج المتأخر، أو عدم الرغبة في الإنجاب بشكل عام؟! أيضاً، قد لاحظت شخصياً عودة معظم زملائي الطلاب المهاجرين إلى بلادهم بعد تخرجهم وحصولهم على الجنسية الكندية؛ إن فرضنا أن تلك الظاهرة تحدث على مستوى كندا ككل، فقد تكون قد أثرت بدورها سلباً على التعداد، لكنها بكل تأكيد ليست هي السبب الوحيد!
كندا تستقبل العديد من المهاجرين، لكن لا توفر لهم فرص العمل المطلوبة، فيعود معظمهم أيضا إلى وطنه بعد حين! البعض يفسر تلك الحالة الملحة لفتح باب الهجرة، مع عدم توفير فرص عمل للمهاجرين، بأنها خطة موضوعة لجلب المال فقط من المهاجرين؛ وأنه لمصلحة كندا ألا يزداد تعدادها عن سقف معين حتى يظل باب الهجرة مفتوحاً كمصدر مالي جاري لها! وعلى هذا المبدأ، يرى بعضهم أيضاً أن التشجيع الشديد على المثلية في المدارس وتحويل الجنس ونشر الوعي التحويلي، ما هو إلا خطة أخرى لتثبيت التعداد حتى لا تكتظ كندا بالمهاجرين، لضمان الهجرة المستمرة إلى أراضيها، حتى ولو كانت على حساب الأجيال القادمة!
كنت أرفض تماماً سماع نظريات المؤامرة هذه في الماضي، وكنت أرى المجتمع الكندي مجتمع مثالي إنساني خلوق، رغم علمانيته؛ بل وأفضل بكثير من مجتمعاتنا الشرق أوسطية، رغم تدينها الظاهري! للأسف، ما عدت أستطيع مقاومة نظريات المؤامرة هذه اليوم كما كنت افعل بالماضي؛ بل أكاد الآن أقر بأن بعضها قد يعكس جزءاً (ولو بسيط) من الحقيقة! فبعض الشؤون الداخلية الكندية اتسمت مؤخراً بازدواجية ملحوظة، على غرار، مثلاً، تقنين الماريجوانا وجعلها متاحة للعامة، بعد عناء في تخفيض نسبة التدخين على مدار الثلاثين عام الماضية؛ أقول هذا لأني عاصرت تلك الفترة واعرف تماماً كيف نجح المجتمع الكندي في منع التدخين في الأماكن العامة، بعد أن كانت كل المطاعم والمكاتب تخصص له أماكناً! فلماذا إذن، بعد أن قطعنا شوطاً طويلاً في تقليل انتشار ظاهرة التدخين (والمدخنين)، ومع الوعي الكامل بالمشاكل والحوادث العديدة الناتجة من الكحوليات، نقوم بتقنين مادة مخدرة أخرى للشعب، إلا إذا كان الدافع مادياً ١٠٠٪!
نعم، أستطيع أن أصدق اليوم كل تلك الشائعات عن تثبيت التعداد، أو ربما لن أجزم بكذبها، لما ألاحظه حالياً من اختزال للمبادئ! وقد نتساءل كيف لمجتمع إنساني يسعى نحو المثالية، أن ينجرف نحو خطط شريرة كهذه في ذات الوقت؟! الإجابة ببساطة لأنهم بشر قابلين للسقوط، وما سيعزز سقوطهم هو البعد (المقصود) عن الله والثقة العمياء في بلوغ الكمال من دونه! أنا من أشد المؤمنين بأن الصلاح والبر مصدرهم الله وحده، ولا مصدر آخر لهم غير الله! لذلك حينما أقوم برفض الله، وعزله عمداً عن المجتمع، سينضب (إن شئنا أم أبينا) صلاح المجتمع تدريجياً إلى أن يجف تماماً فلا نرى بعدها غير شرور العالم ومكائده!
تأمل في تاريخ الشعوب، فالأخلاق لا تنحدر بين يوم وليلة، بل تدريجياً على مدار سنين طويلة! فلا تنخدع يا عزيزي، فما نراه اليوم من بصيص صلاح وإنسانية، ما هو إلا بقايا متهتكة لتعاليم مسيحية اعتاد عليها هذا المجتمع يوماً ما في القدم! فلا تندهش لما سيحدث في المستقبل القريب من مهازل أخرى، فلا خير يبقى إلى الأبد، إذا ما صار مصدره الوحيد مرذولاً! ... فلا إصلاح بلا صلاح…ولا صلاح دون الله!
مينا ماهر