بين مدرسة التعلم.. ومدرسة الحياة
في مقولة شهيرة للمؤلف الإنجليزي نيل جايمان قال فيها "في المَدرسة لا يُعلِّمونك كيف تُحِب ولا يُعلِّمونك كيف تَكون غنيًا أو فَقيرًا ولا كيف تَكون مَشهورًا أو مَغمورًا، لا يُعلِّمونك كيف تَتخلَّص مِن شَخص لم تَعُد تُحبّه ولا كَيف تَقرأ أفكار الآخرين ولا يُعلِّمونك مَاذا تَقول لشخصٍ مُحبط، إنَّهم باختصار لا يُعلِّمونك أي شيء يَستحق المَعرفة".
وقد أصاب جايمان في مقولته، فان مدرسة التعليم أصغر بكثير من مدرسة الحياة، مدرسة التعليم تعلمك كيف تقرأ الكتب، بينما مدرسة الحياة تعلمك كيف تقرا أفكار عدوك وكيف تتحصن منها سواء تتلاشها أو تواجهها.
مدرسة التعليم تجعلك تجيد عمليات الحساب وتحل المسائل بينما مدرسة الحياة تعلمك كيف تجيد عمليات التواصل، وكيف تحل المشاكل وتتجنب المصائب قدر الإمكان.
مدرسة التعليم تنتهي بعد بضعة سنوات، قد تصل إلى 12 عام أو أكثر وقد تنتهي صلتك بها تماما في يوم من الأيام، بينما مدرسة الحياة تعلمك كيف تعيش وتكتسب الخبرات حتى أخر نفس في عمرك.
مدرسة التعليم تتعرف فيها على أصدقاء أبرياء مثلك يخاصمونك لأجل حلوى ويصالحونك لأجل لعبة.. وهكذا حياتهم بسيطة ونفوسهم صافية، أما في مدرسة الحياة فتقابل من له وجهين يضحك في وجهك ويطعنك من ورائك وأيضا يتطور الأمر ليطعنك من أمامك وقد يكون اعز أصدقائك فتقول مثل "حتى أنت يا بروتس" مثلما قالها من قبلك يوليوس قيصر في مسرحية "يوليوس قيصر" لـ وليم شكسبير.
كذلك فان كانت المدرسة مجانية أو شبه مجانية، فاحذر لان مدرسة الحياة لا تعرف المجان، فكل تجربة أو خبرة لها ثمن من العمر او الصحة أو المال، فليس لديها امر بـــ "ببلاش" فلابد أن تدفع، وهي لا تقبل الدفع المؤجل أو بشيكات، فالدفع فوري ولا تقبل الاسترداد، فلا يمكنك الرجوع بعد الحذلان، أو اللقاء بعد الفراق.
فالحياة مدرسة كبيرة لا تعطى درجات أو علامات في نهاية كل شهر وفي الغالب لا تكون اختباراتها موحدة أو من داخل المنهج، بل تترك خبرات وذكريات طوال العمر، قد تكون تلك الذكريات حزينة أو سعيدة ولكنها بالطبع ذكريات فريدة من واقع الحياة ونتيجة لقرارات واختيارات أنت فقط المسئول عنها وكما تقول الأغنية الشهيرة مؤخرا "اختياراتي مدمرة حياتي"، وبالرغم من ذلك فليست كل الذكريات حزينة أو كل دروس الحياة قاسية، فهناك بها أيضا الفرح والسعادة ولكنها لا تدوم طويلا، فالحياة قد تمنحك الفرح والسعادة ولكنها للحظات معدودة حتى إن طالت فيشعر بها الإنسان كفترة قصيرة، بينما يشعر بالألم والحزن لفترات طويلة وتلك طبيعة مدرسة الحياة، فثواني الحزن كسنين، وسنين الفرح كثوان.
فحاول التعلم بسرعة في مدرسة الحياة حتى لا تدفع كثيرا ثمن جهالتك.. فالعمر واحد، استمتع به قدر الإمكان، فاليوم الذي يمضي لا يعود والساعة لا تعود للخلف.