”تكوين”... ما بين الأصولية والتغيير
وجدت بين منشورات أصدقائي الكثير من المنشورات التي تقول "ارفض تكوين ليس من أجلك أنت بل من اجل أبنائك"..." نعم لإغلاق مركز تكوين"... الخ وانتشرت كالنار في الهشيم، الأمر الذي دفعني لسؤال بعضهم على الخاص، هل تعرفون هذا المركز الذي أنشأ منذ يومين فقط؟، فأجابوا ... لا، هل حاولتم الدخول على صفحتهم على مواقع التواصل لتطلعوا على أراءهم وأفكارهم ثم ارفضوها كما تشاؤون؟ فأجابوا لا ... رأينا الشيخ فلان، والشيخ علان يحذر منها، وكذلك عدد من الأصدقاء فقمنا بعمل المثل، من باب درء الشبهات.
هكذا نتعامل مع أي قضية بها مجرد بصيص من إعمال الفكر.... نخشى أن نكون مخطئين، نخشى أن نفكر، نخاف التغيير.
نعم... فبداخل كل منا أصولي صغير "بذرة أصولية"، وهذا في كل الديانات، تلك البذرة ترفض التغيير وتخشى كل جديد، نخشى من الصغر أن نترك فصلنا وأصدقائنا أو أن نغير مدرستنا أو نحول إلى كلية أخرى، أو أن ننتقل من وظيفة لأخرى بطوع إرادتنا ليس لسبب إلا التغيير، حتى أن تملك أحدنا سيارة يخشى السير في طريق جديد ويفضل الطريق القديم الذي اعتاده حتى ولو كان مزدحما وغير هين.
رغم انه لو غيرنا فصلنا لتعرفنا على أصدقاء جدد، قد يكونوا أفضل من الحاليين، ولو انتقلنا لمدرسة أخري لعلنا حصلنا على شرح وفير أكثر، ولو حولنا كليتنا لأخرى لعلنا كنا الآن من المشاهير أو الأثرياء أو أرباب الفكر أو حاصلين على جوائز كبرى... ربما، ربما لو غيرنا طريقنا للعمل لرأينا الخضرة والأشجار ووصلنا إلى هدفنا أسرع... وهكذا، فكما أن لدينا بذرة أصولية علينا أيضا أن نتذكر أن التغيير سنة الحياة.
ولكن أي تغيير؟ فتغيير عن تغيير يفرق كثيرا، ذلك التغيير الذي يحدث بمخض الإرادة وقوة النفس وإعمال العقل والفكر ذلك هو التغيير للأفضل، وليس المقصود التغيير المجبرين عليه في حياتنا، كمثل أن تلك المدرسة أغلقت فاضطرنا للتنقل إلى مدرسة أخرى، أو أن الطريق المعتاد به حادثة أو يقومون بإصلاحه فاضطرنا لأخذ الطريق الأخر، أو حتى تغيير المشاعر، ليس هذا هو عين القصيد.
فلابد لنا من نقطة توازن بين ما هو أصولي وما هو متغير، فكل الأشياء تخضع للتغيير. فلنترك مساحة لعقلنا لتوازن الأمور بدلا من الحجب والشجب والمطالبة بالإغلاق دون تفكير، مثل الخرفان ننساق وراء قطيع، دون التعرف على أفكار جديدة وتحليلها. وان لم تقتنع، فعد من حيث أتيت وتمسك بما عندك.
أرى أن تلك المطالبات والهاشتاجات التي يطلقها هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم "أصوليون" نابعة عن خوف من الأخر، خوف من أن إعمال العقل لدى البعض قد يكشف بعض الأكاذيب أو قد يعرى بعض الموروثات وهم بالطبع لهم مصالح لعدم وقوع ذلك، كما يتهمون الآخر بما فيهم وان لهم أغراض وأجندة خفية.
في النهاية.. إن لم تؤمن بحرية الأخرين فليس من المنطق أن تطالب بحريتك!؟