غضب الشباب يتصاعد بتونس.. فهل يتكرر سيناريو ”ثورة الياسمين”؟ بطرس غالي من «الدفاتر القديمة» إلى المشهد الاقتصادي المصري التوتر مستمر مع مصر.. إثيوبيا تصعد بتحرك عسكري جديد في الصومال مرض أسوان الغامض.. تضارب في أرقام وزير الصحة ورئيس الوزراء.. والمحافظ: الأمور تحت السيطرة تعديلات على إجراءات منح الإقامة الدائمة في كندا إهانات بين بوليفير وسينغ في البرلمان ترودو يعين أنيتا أناند وزيرة للنقل المحافظون يفوزون بانتخابات شرق أونتاريو اعتماد تقنية أمنية جديدة في مطارات كندا ارتفاع معدلات الجريمة في أكبر مدن كندا خرافة التيجاني والعقل البتنجاني هل يحسم اليهود والمال والإجهاض سباق الرئاسة بين ترامب وهاريس؟

حكاية دوروثي لويز إيدي أو (أم سيتى) عشيقة الفرعون

في أحدى ضواحي جنوب لندن 16 يناير 1904 ولدت طفلة جميلة تدعى دورثي لويس، لأبوين من أصل أيرلندي، وتمضي الحياة هادئة، وحين بلغت دورثي سن الثالثة، وبينما كانت تلهو في منزل العائلة في ضاحية بلاك هارت سقطت من أعلى السلم إلى الطابق السفلى لترتطم رأسها بالأرض وتدخل في غيبوبة.

طبيب الأسرة قال إن دورثي فارقت الحياة، وطلب تكفين الفتاة وتجهيزها للدفن، ووسط صدمة الأبوين، فاقت دورثي من غيبوبتها بشكل عادي وفي حالة جيدة، وبدأت الصغيرة تردد “أريد العودة إلى بيتي” ليخبرها والداها أنها بالمنزل، لكنها تصرّ في عصبية إن بيتها ليس هنا وتبدأ في إعطاء أوصاف لبيتها المزعوم.

لم يكن يعرف الأبوين أن هذه الحادثة ستغير مسار حياة ابنتهما لتتحول من المواطنة الإنجليزية دورثي أيدي إلى مكتشفة الآثار المصرية “أم سيتي”، التي قضت عمرها في مصر بين المقابر والمعابد ودفنت بجوار حبيبها الملك سيتي الأول في العرابة المدفونة بمركز البلينا بمحافظة سوهاج .

بعد مرور عام على الحادثة يصطحبها والدها في رحلة إلى المتحف البريطاني، وما إن رأت التماثيل الفرعونية حتى تبدل حال الطفلة الصغيرة، وبدأت تدور حول التماثيل وتقبل أقدامها وتصرخ وطني وسط دهشة الأب وزائري المتحف، الأمر الذي دعى والدها لإبعادها عن المتحف حتى لا تثير قلق الزوار.

حين بلغت سن العاشرة لفتت نظر عالم الآثار الإنجليزي الشهير السير بادج، الذي لاحظ شغفها الشديد بالآثار المصرية.

تطوع السير بادج أن يعلم دورثي اللغة الهيروغليفية، فأدهشه سرعة تعلمها وحين سألها عن ذلك قالت “إنها تتذكر فقط ما تعلمته من قبل”، فقد كانت ما زالت تصر على أنها آتية من ذلك الزمن البعيد، وأنها في حياتها السابقة كانت جزء من بلاط الملك الفرعوني سيتي الأول، وقصت عليه الحلم الذي رأته حين حضر إليها سيتي الأول في نومها وطلب منها العودة إلى الوطن .

بحلول عام 1927 تنتقل الأسرة للعيش في لندن، الأمر الذي شجع دورثي على إشباع نهمها وحبها لدراسة المصريات، فالتحقت بمدرسة للفن وتخصصت في الفن القديم, أثناء ذلك تتعرف على شاب مصري حضر للدراسة يدعى إمام عبد المجيد، وتتوطد العلاقة بينهما، وبعد ثلاثة أعوام تتزوج وتنجب طفلها الوحيد، الذي قررت أن تسميه سيتي.

وفي عام 1933 تزور مصر لأول مرة برفقة زوجها، وبمجرد نزولها إلى ميناء بور سعيد تنحني مقبلة الأرض ومبللة رصيف الميناء بدموعها، يتلقى زوجها عرضا للعمل في العراق، لكنها ترفض ترك وطنها مصر، ليقع الطلاق في 1935، وعلى ما يبدو أن الزوج أخذ الطفل سيتي معه لأن جميع المصادر التي تحدثت عنها لم تذكر الطفل مجددا.

وفي السيرة الذاتية غير المكتملة التي كتبتها دورثي في عام 1972 حكت عن زيارات الإله حور رع لها في أحلامها، وأنه أخبرها أنها فتاة مصرية اسمها “بنترشيت” لأب يعمل في سلك الجندية، ولأم تعمل بائعة خضراوات في عهد الملك سيتي الأول (1290-1279 ق.م).

تتابع دورثي أنه بعد وفاة أمها لم يستطع الأب تحمل مشقة تربيتها فوهبها لمعبد أبيدوس، لتعمل كاهنة في خدمة الإله، وتكبر الفتاة وتصبح كاهنة من كاهنات المعبد وأثناء زيارة أجراها الملك سيتي الأول للمعبد تقع عينيه عليها ويفتن بجمالها، لتصبح إحدى عشيقاته، لتحمل منه.

ولشدة حبها للملك وخوفها على مستقبله السياسي من فضيحة علاقته غير الشرعية بإحدى كاهنات المعبد تنتحر، وحسب ما ذكرت المصادر كانت تلك القصة السبب في انتقالها في الجزء الأخير من حياتها إلى أبيدوس وسبب تسميتها بـ”أم سيتي “.

بعد الطلاق تنتقل دورثي للعيش في منطقة نزلة السمان، بالقرب من أهرامات الجيزة، ترسم وتسجل وتكتب وزادت على ذلك أنها كانت تقوم بطقوس تشبه الصلوات أمام الأهرامات.

سمع عنها في تلك الفترة الأثاري المعروف الدكتور سليم حسن (1868-1961)، الذي كان يقوم بحفريات في منطقة الجيزة فاستضافها في منطقة أثار الجيزة ووظفها كرسامة في فريقه الأثري.

من خلال عملها شاركت دورثي في بعض رسومات الموسوعة الكبيرة التي كتبها حسن تحت اسم موسوعة مصر القديمة، وبذلك كانت أول سيدة في مصر تعمل في مصلحة الآثار المصرية، وبعد انتهاء عملها في فريق سليم حسن تنتقل للعمل لصالح الأثاري الدكتور أحمد فخري في منطقة دهشور .

في عام 1956 قررت أن تلبي نداء روحها لتذهب إلى جنوب مصر وتحديدا إلى العرابة المدفونة “قرية أبيدوس.

بمجرد وصولها تخبر مفتشي الآثار أن هذا هو بيتها، بالطبع لم يصدقها المفتشون فدلتهم على بعض النقوش المكتشفة حديثا والتي لم تكن ترجمت، فتترجمها لهم، الأمر الذي أثار دهشة المفتشين، فلقبوها بالسيدة غريبة الأطوار.

لم يتوقف الأمر عند الدهشة فقط، بل واجهت دورثي رفض وجودها من نساء القرية، اللواتي خشين تأثير جمالها على أزواجهن، ما عرضها للرجم بالحجارة من قبل الأهالي، ومع كل مرة تصر أنها في وطنها وبيتها.

وفي النهاية تقرر إحدى العائلات الكبيرة في القرية الحنو عليها وتخصيص طفل لحراستها، وبفضل وساطة الدكتور سليم حسن تحصل على عمل في معبد أبيدوس وتشتهر دورثي باسم أم سيتي.

أثناء عملها في أبيدوس تنجح في ترجمة العديد من النصوص الهيروغليفية بالمعبد، كما تكتشف حديقة المعبد، وترمم أجزاء كبيرة منه، ونظرا لجهودها تقرر هيئة الآثار مد خدمتها إلى ما بعد التقاعد.

عاشت أم سيتي 25 عامًا في أبيدوس واشتهرت باهتمامها بتأصيل العادات التراثية والشعبية للأهالي، وربطها بالتاريخ المصري القديم، والتي وثقتها في مجموعة من المقالات كتبتها ما بين عامي 60 و75، والتي أعاد عالم المصريات نيقولا هانسن نشرها في عام 2008.

بعد تقاعدها الرسمي عام 69 استمرت هيئة الآثار في الاستعانة بها من آن لآخر، وكان مسموحا لها بإرشاد السائحين، كما كانت تقوم بعمل بعض الأشغال اليدوية والتي كانت تلقى قبولا من السائحين.

كانت على علاقة جيدة بملكة بريطانيا، وعبد الناصر وكانت تدعمه وتدعم مصر، لاقت أم سيتي شهرة عالمية وكانت تأتى وفوداً سياحية لزيارتها خصيصاً فى أبيدوس لسماع قصتها وشرحها.

ذاع صيت ام سيتي وانتشر كثيرا.. وكان زوار منطقة ابيدوس من الأجانب أو المهتمين بالحضارة الفرعونية يضعون زيارتها على رأس برنامجهم لزيارة المنطقة .. وقد تم تأليف الكثير من الكتب وإعداد الكثير من الأبحاث عنها .. كما قام تلفزيون البى بى سى البريطاني بعمل فيلم وثائقي تسجيلي عنها أذيع بعد وفاتها ويعد وثيقة هامة تؤرخ لها لأنه تم تصويره معها

ام سيتى ما زالت معروفة فى قرية ابيدوس : "العرابة المدفونة " رغم مرور ما يقرب من اربعون عام على وفاتها وما زال المنزل البسيط الذى كانت تعيش فيه موجودا يقوم الكثيرون بزيارته حتى الآن.

توفيت ام سيتى يوم 21 إبريل عام 1981 م .. ودفنت فى مقبرتها التي أعدتها لنفسها قبل وفاتها والتي حرصت أن تكون بعيداً عن مقابر المسلمين والمسيحيين ولكن قريبة من أهلها المصريين القدماء!