لماذا رفض الشعب البوليڤي التقاط الصور مع الدبابة؟!
الديمقراطية، المجتمع المدني، دولة المؤسسات، القضاء المستقل، سيادة القانون... الخ من كل التعريفات والمصطلحات التي تستخدمها كل الدول، وتحرص على ترديدها وتأكيد وجودها وسيادتها كل أنظمة الحكم في العالم، الصادق منها والكاذب، العادل منها والظالم، يؤكدها الديمقراطي حقا حتى وإن شابت ديمقراطيته بعض السلبيات والعيوب، ويؤكدها أيضا الديكتاتوري المستبد حتى النخاع.
الديمقراطية اختصارا هي حكم الشعب لنفسه من خلال أطر قانونية يخضع لها الكل، وتحمي الكل من الكل.. تحمي الشعب من الحاكم إن فسد وتجبر، وتحمي الحاكم من أي خصم غير شريف، قرر السطو على السلطة بالبلطجة وقوة السلاح، وتحمي الشعب وأجهزة الدولة ومؤسساتها من أي فيروس سلطوي أصاب الحاكم نفسه بشهوة السيطرة ولذة الكرسي وأمراض السلطة المعروفة التي راح ضحيتها الكثير والكثير.. شعوب، وحكام.
أعلم علم اليقين، أن مصطلح الدولة الحديثة الذي ظهر تقريبا في أواخر القرن السادس عشر، قد تمت صياغته وهو يحمل بداخله كل المتناقضات وتباين النوايا ما بين حسنة أو سيئة.. ولن أخوض في عيوبها التي استفاد منها الطغاة لكي يفرغوا مفهوم الدولة من معناه، ويحولونها لسجن كبير دون أسوار، مرصود بداخله كل حركة أو خطوة، ومعدود على البشر فيه أنفاسهم، والكل حر إذا لم يضر أو يُزعِج، أو يُغضِب الأخ الكبير الذي يراقبك (چورچ أورويل _ 1984).. لن أخوض في كل هذا، إن تحدثت عن شعوب، ارتضت من الديمقراطية مبدأ، ومن الحكم المدني واحترام حق الشعب في تقرير مصيره منهج.. حتى وإن شابت أي تجربة نواقص أو عيوب أو حتى شيئاً من الفساد، فالكمال لله وحده كما يعلم بعض الناس، أو بعضهم لا يعلمون.. ولذلك يأتي السؤال: لماذا فشل الانقلاب العسكري في بوليفيا ومن قبله في تركيا؟ لماذا انتفض الشعب قبل حرس الرئيس ومؤسساته ورجاله في أروقة الحكم، كي يقفوا بصدورهم العارية في وجه حاملي البندقية وقائدي الدبابة، حتى لو كانت لديهم من الحجج والمبررات لفعلتهم؟ وحتى لو كانوا يؤكدون أن ما يفعلونه هو لمصلحة تركيا وبوليڤيا، وأن ما دفع بهم خارج ثكناتهم ومعسكراتهم، هو إخلاصهم الجم لتراب الوطن، وحبهم العميق للشعب ... ضياء أعينهم، المستحق دائما لتضحياتهم، الذي مكانه دوما في القلب والوجدان؟
الإجابة:
- كلا الشعبين ذاق الأمرين، وجرب طعم العذاب سنين طويلة من حكم عسكري ديكتاتوري قمعي.. يكذب كما يتنفس، جاهل بشكل مذري، فاسد بلا حدود.
- كلا الشعبين يعلم أن ذلك القابع داخل قصر الرئاسة رئيس شرعي، منتخب، فكرة الدفاع عنه أو حمايته من أي بلطجي قرر الاستيلاء على الحكم بالسلاح تتساوى بالمناسبة عند من انتخبه ومن لم ينتخبه.
- المؤيد للرئيس والغير راضي عن أداء الرئيس، الاثنان يعلمون أن فاتورة إسقاطه بشكل شرعي ودستوري بعد انتهاء فترته والحكم على تجربته ثمنها أقل بكثير من إسقاطه بالغصب من عصابة مسلحة، إن نجحت في الاستيلاء على السلطة ستسحق الجميع وأولهم من ساندوهم.
- التعليم ... التعليم بمعناه الحقيقي.. الإدراك والثقافة وتراكم الخبرات، الاطلاع على العالم وتجارب الدول ... الوعي بالحقوق والواجبات، والتشبث بشرعية وقانونية كل شيء، كضمان حقيقي لحماية الحريات ومكتسبات السنين التي نفضت غبار الديكتاتوريات العسكرية المستبدة العميلة، التي أذاقت آبائهم وأجدادهم الويلات تحت شعار الوطن والوطنية... لن أنسى ما حييت ذلك المواطن التركي في يوليو 2016، حين سئل وهو يقف أمام إحدى الدبابات: ألست معارض لأردوغان؟
فقال: مستعد لأن أُسحق تحت الدبابة، على أن تعود تركيا للحكم العسكري الفاشي.. يمكنك أن تُقصي أي رئيس، ولكن بالصندوق الانتخابي والطرق الشرعية.. انا لا أطيق أردوغان، ولكن إذا استعنت بالدبابة فسوف تسحقنا جميعاً.