دولا أندراوس تكتب: صديق إنتهازي
رن جرس التليفون رنة طويلة معلناً مكالمة من مسافة بعيدة. رفعت السماعة وأنا أتساءل عمن عساه يكون المتصل واذ بصوت بعيد لصديق قديم يتصل من مصر. ياه!!..فينك من زمان.. إيه الأخبار وكيف حالك وحال المدام والأولاد؟ ترى ما الذي ذكركم بنا بعد هذا العمر. قال الصديق: ״بصراحة وبدون لف ودوران أنا طالب منكم خدمة..سيصل أخي إلى تورنتو في غضون أيام مهاجراً إلى كندا. وانا لا أعرف احداً هناك سواكما .. لذلك فكرت أن اتصل بكما وان أطلب منكما هذا المعروف وهو أن تحاولا مساعدته على الإستقرار قدر الإمكان״. ثم استرسل يحكي لنا عن أخيه وكيف أنه انسان طيب للغاية، ومع ذلك فظروفه كلها ملخبطة وحالته المادية متعسرة وانه بالكاد إستطاع أن يجمع قرشين ليدفع منهم تكاليف التذاكر وليبدأ بما يتبقي حياته الجديدة في كندا. وطلب من زوجي أن يساعده على إيجاد مكان قليل التكاليف ليمكث هو وأسرته فيه حال وصولهم. لم نمانع طبعاً في المساعدة.. وسارع زوجي بالإتصال بكل معارفهمحاولاً إيجاد مكان غير مكلف يكون متاحاً عند وصولهم، كما اتصلنا أيضاً ببعض الاصدقاء وطلبنا منهم أن يمدونا بما يستطيعون الإستغناء عنه من عفش أو كماليات منزل. والحق يقال أن الجميع تلقوا الأمر بروح تعاون ليس لها مثيل واننا استطعنا في فترة وجيزة جداً جمع أشياء عديدة نافعة وفي حالة جيدة.
وفي اليوم المعين لوصول تلك الاسرة، ذهبنا لإستقبالهم في المطار بناء على طلب صديقنا لنفاجأ ونحن هناك بوجود ثلاث عائلات أخرى غيرنا جاءت لإستقبالهم. فقلت لزوجي هامسةً: ألم يقل لك أنه لا يعرف سوانا في كندا؟ فنظر إلي باسماً ولم يرد. وبعد السلامات والتحيات والتعارف وتحميل الحقائب في السيارات، قال زوجي ببساطة وأريحية: تفضلوا عندنا، فأجاب الرجل دون أدنى تفكير: لا بل سنذهب عند فايز! وأشار إلى أحد الرجال الواقفين..ثم إستطرد قائلاً سنقضي هناك كام يوم إلى أن نستلم البيت الذي قمنا بشرائه العام الماضي. حملت لنا هذه الجملة أكثر من مفاجأة.. فقد إكتشفنا أن تلك ليست أول زيارة لهم لكندا، كما أدركنا من بعض التعليقات ان لهم عدداً من الأصدقاء غير قليل٬ كما أنه من الواضح جداً أن ظروفهم المادية على ما يرام والحمد لله. انتابنا الوجوم للحظات إلى أن استطعنا بعد حين أن نتغلب على الصدمة وانصرفنا ذاهلين.
اسئلة كثيرة دارت في ذهني ونحن في طريق العودة إلى المنزل.. لم أستطع أن أفسر ما فعله ذلك الرجل أو لماذا قال لنا ما قاله عن ظروف أخيه، التي من الواضح أنها أفضل من ظروفنا نحن شخصياً. لماذا ترجانا أن نبحث له عن مكان يقيم فيه جاعلاً إيانا نضيع وقتنا ومجهودنا عبثاً بينما هو يعلم علم اليقين أن لأخيه خطةً أخرى. ولماذا طلب منا فيما يشبه التوسل أن نذهب لإستقباله في المطار في حين أنه قد رتب نفس الشيء مع آخرين غيرنا.. أهو استنصاح أم إستنطاع أم إستخسار أم إنتهازية.. لقد أراد أن يساعد أخاه دون النظرلأي إعتبارات أخري، فكذب علينا بطريقة ممجوجة مكشوفة ليقنعنا بأن
نفعل له ما يريد، ولم يعبأ بما قد نكابده في سبيل ذلك من مشاق. إنتهازية ممزوجة بغباء.. وهي أسوأ أنواع الإنتهازية. بصراحة أنا إلي الآن لست أدري أي نوع من الناس هو.. كل ما أدريه هو أن ذلك النموذج موجود في المجتمع وإنه وإن كان يستحق الرثاء إلا أنه من الافضل تجنبه.. فهذه الشخصيات لا يجلب التعامل معها سوى المتاعب.