بيضة وحجر ... وبينهما ”بتنجاناية”!!
كل ما اتفرج على فيلم البيضة الحجر للعظيم احمد زكي، والعبقري محمود ابو زيد، تستوقفني شخصية عم "سباخ".. الدجال اللي كان مشيب أهل المنطقة ومسيطر هو ومساعدينه على عقولهم بالخرافة والجن والعفاريت.. وبناء على كل ده كان بيتربح ويكسب لقمة عيشه.
كنت بسأل دايما ... النصاب اللي عارف ومدرك أنه نصاب، كيف سقط أمام "مستطاع"؟ .. ازاي لما واجهه مستطاع بنفس سلاحه وأدواته المزيفة، سقط الراجل نفسه في فخ الإيحاء والرعب، واليقين بقدرات مستطاع الخارقة للطبيعة؟ طباخ السم ازاي داقه؟ .. لكن لما فكرت لقيت إن عم سباخ عبيط، جاهل، ضيق الأفق ضعيف الطموح .. لقيت عم سباخ حالة ملابسه وشكله كده كله على بعضه يوحي بالفقر، وواضح أنه مش مكمل تعليمه .. راجل محدود الفكر وقانع ببضعة ملاليم، وشوية فطير ولا جوز فراخ يدوب يكفوه لعشوة.. طباخ الجهل كان هو كمان جاهل، وضعيف... وخايف.. دجال لكنه مصاب بالفيروس الثلاثي اللي يعتبر بيئة خصبة للسيطرة على ضحاياه.. ولأجل ذلك نجح مستطاع وتطور وتفوق على أقرانه.
عشان كده مقالش محمود ابو زيد: ويل للعالم من الدجالين.. بل قال: ويل للعالم إذا انحرف المتعلمون وتبهيظ المثقفون .. عشان كده صعب تلاقي شيخ طريقة مريدينه بالملايين غير متعلم.. أو قس منحرف مسيطر على أعداد مهولة من أتباعه مش مألف عشرات الكتب.. أو كاهن هندوسي أو حاخام متطرف إلا ومعاهم أعلى الشهادات .. إلخ.. ومن هنا ذاع صيت مستطاع، لأنه عرف من أين تؤكل الكتف.. عرف إن الانحراف والبهيظة سوق وله رأس ماله وأدواته.. ولن يتسنى لتجارته أنها تكبر، ومشروعه إنه ينجح دون التعامل باهتمام وعلم وخبرة مع كنزه وراس ماله ..راس ماله الضعف والجهل والخوف..الثلاثية التي لا تفرق بين فقير وغني..فلاح بسيط ، أو وزير ومسئول.. متعلم أو جاهل.
الكل زباين مضمونين لأي نصاب ..طلما قرر الجميع تسليم رقابهم لحبل الطمأنينة والأمان المزيف ، مساقين كالأنعام يدفعهم القلق والارتباك كي يرتموا تحت جناح دجال يطمنهم.. الخوف اللي بيلغي العقل ويشل القدرة على التفكير .. ويدي الفرصة لأي دجال ، إنه يسود بالخرافة والإيحاء على حياتهم ومصائرهم.
سمعت زمان حكاية، مش مهم إن كانت حصلت ولا محصلتش، لكن المؤكد أنها بتحصل كل يوم وفي كل مكان بأشكال ومظاهر مختلفة.. الحكاية بتتكلم عن قائد بريطاني كان بيتجول في أحد الأسواق وقت الاحتلال الإنجليزي للهند، فنظر من شباك السيارة لقى شاب هندي بيعامل إحدى البقرات بعنف واحتقار ويركلها ركلات متتالية، فأمر السائق بالتوقف فورا ثم نزل مستغلا الزحام ليوبخ الشاب بقسوة وحسم، وانحنى ليركع أمام البقرة في خشوع، بعدها وقف يطبطب عليها في حنان ويحرك أيده عليها برفق، حتى أنه التقط بعضا من روثها لطخ بيه وجهه وشعره وملابسه، وبص للشاب وتمتم بكلمات غاضبة واتحرك عشان يرجع لسيارته، وهو سايب وراه الشاب بياخد علقة موت، من نفس الناس اللي كانت واقفة، ومكانش ليها أي رد فعل على ضربه للبقرة .
تصرف عجيب، من قائد إنجليزي، مؤكد ديانته مش الهندوسية، والمؤكد أنه لما بيشوف مظاهر تقديس البقرة أو عبادة الأوثان عموما، بيسخر ويستهين!! لكنه في الواقع حس بخطورة ركل الشاب ده للبقرة .. حس إن تصرف الشاب مؤشر على صحوة للعقل وتصدير المنطق على الخرافة .. حس إن الركلة مكانتش بتستهدف البقرة، قد ما بتكسر السفه، وبتقطم ظهر عقيدة هشة ومعتقد واهي لابد أنه يستمر لمصلحته ومصلحة القمع والتجهيل والاستعمار وكل مظاهر التحكم والسيطرة وتسخير المجتمعات لخدمة أي مستبد، مصلحته دايما في وجود مثلث الخوف.. الضعف.. الجهل..
عشان كده، ومع انفجار قضية الشيخ بتنجانة، مكنتش متفاجئ مع المتفاجئين، ولا أستغربت مع المستغربين.. ازاي مثقف ولا أديب يبقى مريد منسحق ومسحور ومسلم عقله ومشاعره لبتنجانة بتقول له إن النبي روح ونور ذاتي يعني بيعلي على القرآن ذات نفسه .. وازاي خريجين جامعة ودكاترة ومحامين، يحرصوا على زيارة الأضرحة والتبرك بالأولياء، ويمارسوا ممارسات تندرج تحت بند الشرك بالله قولا واحدا دون أن يدروا.
وازاي خريج هارفارد ولا اكسفورد يبقى واحد من ٣٥ مليون شخص قروا كتاب لدجال بيقول لهم إن نهاية العالم هتبقى سنة 1988 وعادي لسه بيروح له دروسه ومحاضراته الدينية ومعتبره قائده الروحي.. وازاي خبير كيمياء ولا عالم فضاء هندي يقدس بقرة.. وازاي دكتور ولا مهندس مستعد يخسر أخوه لو معترفش زيه إن صورة العدرا بتنزل زيت او اللي جوه الطماطماية ده طماطم برضه عادي مش لفظ الجلالة، أو معجزة ظهور صليب .. إنها البيضة والحجر يا سادة.. وليطمئن كل درويش ومريد.. التيجاني ومن على شاكلته، باقي ببقاء الحال الثقافي والاجتماعي والتعليمي على ما هو عليه.. وحتى إن ذهب لا بأس.. الأرض خصبة والإنتاج وفير، وغيطان الجهل والخوف والضعف موجودة.. والبتنجان مفيش اكتر منه