دردشة…بالعربي الفصيح:
ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!!
إن النهار قد لاح…وحان وقت العمل…آه…قد كتب عليَّ الشقاء ولكن ما باليد من حيلة! أحتاج إلى معجزة! يا لها من أحلام يقظة مزعجة لا فائدة منها!! لندع العبث ونرضى بما قسمه لنا الله…
ها الموقع على بعد أمتار معدودة…لا مانع من الوثب بعض الشيء لأصله في موعدي! نعم أنا أصغر بكثير من أغلبية مراقبي العمال في شركتنا، لكني ما زلت شاباً…لا أزال أتمتع بلياقة افضل منهم!
يا مُهون…ترى ماذا يخبيء لي هذا النهار من أهوال!
دخلت مكتبي كعادتي، و ألقيت التحية على من هم بالمكتب، الفراش و عامل النظافة و السكرتير. هو ليس بمكتب فاره، هو مجرد حاوية (كونتينر) مجهزة بأقل التكاليف الممكنة لخدمة موقع البناء. قسمت إلى مطبخ صغير و حمام و مكتب صغير لي و مكتب أصغر للسكرتير. هاه…على الاقل لي فيها مكتب خاص كمراقب للعمال… كما أن هذا السكرتير، تقريباً، يعمل لخدمتي، على الرغم من أنه لا يعمل عندي؛ هو همزة الوصل بيني و بين صاحب العمل - الباشمهندس- فهو يكتب إليه متطلبات الموقع كما أُمليها عليه أنا!
جلست و انجعصت على هذا الكرسي الأسود المريح، تأهباً لأبدأ يومي! فجمعت عندي كل العمال بعد أن شربت قهوتي، واصطفوا أمامي في هيبة واحترام . سألتهم:
- ايه اخبار الشغل النهاردة؟
فقال احدهم:
- هنحفر ترينش لكابلات الضغط العالي اللي داخلة المحطة!
- و دا عايز كم نفر؟
- خمسة بكتيره يا أبو صلاح!
- خلاص الخمسة الأولنيين منكم يروحوا يحفروا، والخمسة التانيين يروحوا يكملوا شغل امبارح جوة المحطة...تمام؟!
ذهبوا وهم يتمتمون فيما بينهم…سواء عن استحسان أم عن استياء…لا يهم! في نفس اللحظة يرن محمولي فأجبت بسرعة دون أن أرى من الطالب:
- نعم…ايوة أنا أبو صلاح…مين؟
انفرجت عيناي بخوف مصحوب بالفضول:
- اهلاً يا باشمهندس؟ دلوقتي دلوقتي؟ خلاص تمام هاكون عند حضرتك في خلال نص ساعة…مع السلامة!!
هرولت سريعاً إلى خارج الموقع حتى استقل تاكسي او أوبر كي لا اتأخر…ترى ما عسى أن يكون هذا الاستدعاء المفاجئ! إجلب لنا العواقب سليمة يا رب!
وصلت إلى مكتب الباشمهندس الفخم (مقارنةً بمكتبي). هو عبارة عن شقة صغيرة مصممة خصيصاً كمكتب متواضع يستقبل فيه عملاءه و مراقبيه. أومأت إلى سكرتيرة المكتب بأني على وشك الدخول اليه، فأذنت لي بلباقة؛ طرقت الباب بلطف فسمح لي بالدخول بصوت مسموع! استقبلني بابتسامة لطيفة و قال مداعباً:
- اهلاً ابو صلاح…اتفضل… مش كبير عليك اسم ابو صلاح دا و انت سنك صغير؟!
- اهو هنعمل ايه بقى يا باشمهندس!
- يا سيدي..ربنا يخليلك صلاح و تفرح بيه!
ابتسمت على استحياء و اقتضبت الكلام؛ كنت على وشك أن أقول له بغشامة "حتى يحترمني العمال" لكني ابتلعت لساني! ما هذا التجمع الغريب…يبدو اني لست وحدي من تم استدعائه إلى عرين الأسد…بل كل مراقبي عمال المشاريع الأخرى مصطفون عنده! أأنا أخر من وصل؟! يا للعار وخيبة الامل! لا احب ان اكون الأخير؛ ولكنه ابتسم لي، فلا داعي لتكبير الأمر!
يوم لك و يوم عليك…ها أنا أشعر بنفس احساس عمالي حينما يصطفون امامي في رهبة وخشوع…والآن أنا في ذات موقفهم في حضرة ملك الغابة! ترى ماذا يريد منا؟!
أشهر الأسد عن أسنانه و تكلم:
- طبعاً تلاقيكم مش عارفين انتم هنا ليه؟…أنا مسافر شوية اليابان ازور مصنع لوحات كهربائية جديدة في السوق…رحلة سريعة لمدة اسبوع كدة!
تراطمت الردود بـ غوغائية و كأنه سباق للتملق وأنا كنت منهم:
- تروح وترجع بالسلامة…
- بالسلامة يا باشا…
- تيجي بالف سلامة…
.
.
.
- ما تطولش علينا الغيبة!
استكمل حديثه مغمضاً عينيه وكأنه اكتفى من هذا النفاق الاجتماعي غير المُجدي:
- وعشان كده نويت احط واحد منكم مكاني لحد ما ارجع!
صمت مفاجئ لحظي ملأ المكان تبادلت فيه العيون النظرات المتحفظة و كأنها تسأل ألعلي أنا…لكنه سرعان ما قطع لحظة الصمت قائلاً:
- أبو صلاح…
- افندم؟!
- عندك استعداد تسد مكاني و أنا غايب؟؟
يتبع في الحلقة القادمة من العدد التالي…