A Society Living in Fear is a Dying Society أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات

دولا أندراوس تكتب : بين النقيضين

آخ.. جالك الموت يا تارك الصلاة! كنت على وشك الانصراف قبل أن يراني ولكنه ضبطني وأنا أحاول الاندساس بين الحاضرين لأزوغ منه. وجدته يُشير إليّ من بعيد ويدعوني للانتظار إلى أن يخترق الجمع الذي يفصل بيننا ويأتي لتحيتي. أدركت لحظتها أني وقعت ولا حدش سمّى عليّ. فيها على الأقل ساعة من الكلام المتواصل والوقت المهدر. ففلان هذا عيبه أنه لا يكف عن الكلام لحظة واحدة. كما أن الحوار معه، هو دائماً حوار من طرف واحد فهو لا يتوقف ليستمع أو حتى ليفكر فيما سيقول لاحقًا٬ وإنما يسترسل دون انقطاع وكأنه هو الذي اخترع الكلام وله وحده حق الانتفاع به. أنا أيضاً لم أعُد أسمع شيئاً مما يقول. أتابعه فقط ابتغاء للحظة من اللحظات شديدة الندرة التي يتوقف فيها ليلتقط أنفاسه حتى أستطيع أن أقاطعه وأستأذن للانصراف. لحسن الحظ أنقذني وصول التاكسي الذي سيقلّني إلى البيت من عذاب الإنصات إليه. هرولت إلى الخارج وأنا أشكر الله أن سيارتي تحت التصليح وكنت أشكو من ذلك في الصباح. كان الوقت متأخراً وبرد الليل أرغم الكثيرين علي البقاء في بيوتهم اتقاء للسعته فكان الشارع شبه خال. دلفت إلى التاكسي متمنية أن أرزق بسائق متهور يحملني إلى بيتنا البعيد في زمن قياسي. ارتميت على المقعد الخلفي محاطة بالبرد والظلام.. وبعد أن قطعنا مسافة لا بأس بها من الطريق، انتابتني رعدة بسبب السكون الشامل الذي غلف كل شئ ولعبت برأسي الخواطر المفزعة. حاولت أن أتغلب علي هواجسي بأن أقطع الصمت وأدير حوارًا مع السائق، ولكن الرجل كان صموتًا كأنه قُدَّ من صخر. كان يجيب على أسئلتي بصعوبة وكأن للكلام قيمة نقدية أو كأن النطق يسبب له ألماً ما.. وكثيراً ما كان يستعيض عن الرد بإيماءات وأصوات مبهمة توحي بالضجر. تركته وشأنه لما فشلت في أن أجعله يتحدث إليّ. ما أبعد الفارق بين شخصية هذا الرجل الصموت الذي لا ينبس ببنت شفة وبين زميلي الثرثار الذي لا يكف عن الكلام.. وبالرغم من كونهما نقيضين إلا أنني ضقت بكليهما. ما دعاني لان أفكر في الأسباب التي تجعلنا نحكم على صفات معينة ونحدد ما إذا كانت ميزات أو عيوباً. إن الصفات في الحقيقة هي مجرد سمات وملامح للشخصية غير قائمة بذاتها ولكن يتم تفسيرها من خلال المواقف والسياقات التي تبرز فيها. فقد ننجذب إلى صفتين متناقضتين أشد التناقض وتثيران إعجابنا في نفس الوقت.. كالتروي والتهور مثلاً وقد ننفر من كليهما معا. فما يجذبنا في الآخرين ليس امتلاكهم لصفات معينة لكن طرائق استخدامهم لهذه الصفات في المواقف المختلفة والظروف المتباينة. الغضب مثلاً معروف بأنه صفة بغيضة وغير محببة ومع ذلك فهناك غضب حميد ومطلوب يقوم بدور الشاحن الانفعالي الذي يدفع الانسان إلى اتخاذ مواقف إصلاحية حيال أوضاع غير صحيحة. كأن يغضب ممن ينتهك حقوقه أو يتسبب له في ضرر. وعلى العكس من ذلك، يعد التروي صفة محمودة في حين أنه قد يكبد صاحبه خسائر جسيمة في المواقف التي تتطلب الحسم وسرعة اتخاذ القرار. وهكذا يتجلى التميز في حسن استغلال الإنسان لما يملك لا بما يملك. فكم من أناس يسيئون استخدام ما يمتلكونه من صفات ومواهب مميزة جداً فينتهون إلى الفشل والإخفاق في حين يعتلي المميزون قمم التألق والنجاح بما لديهم من إمكانات أحسنوا فهمها وعملوا على توظيفها بالشكل الذي يبرزها ويضمن لهم التفوق والامتياز.