A Society Living in Fear is a Dying Society أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات

عبد المسيح يوسف يكتب: السخرية بين الشعوب

بعيداً عن السياسة وتعقيداتها، والاختلافات بين الناس، حسب توجهاتهم الأيديولوجية، تعد الصور الذهنية بين الشعوب من الأمور الطريفة، التي تجذب الأنظار والاهتمام، خاصة وأن هذه الصور ليست دائما وردية، وعادة ما يكون بها قدر من التهكم. هذه الصور الذهنية يمكن التعرف عليها من خلال التعايش لفترات علي المدى المتوسط والطويل في المجتمعات من ناحية، ومن خلال القراءات المعنية بهذه النوعية من الموضوعات. نحاول هنا التركيز علي الصورة الذهنية الفكاهية، بعيدا عن الصورة الذهنية السياسية والثقافية، والممثلة في أن صورة العربي والمسلم في عقلية الغربي علي أنه إرهابي ودموي. مقابل صورة الغربي في الذهنية العربية والإسلامية علي أنه متقدم لكنه منحل أخلاقيا ولا يتسم بسمات الرجولة والنخوة. وتنتج هذه الصور الذهنية، بسبب صراعات بين الدول، أو بالأدق بسبب التنافس الثقافي وتعظيم المكانة. ولذا نجد أنه بين كندا وأميركا تنافس كبير، وصور ذهنية مليئة بالتهكم والسخرية من الآخر. إذ يري الأمريكان في أنفسهم أصحاب مدنية وتقدم كبير، مقارنة بكندا، التي يغلب عليها الطابع القروي والبدائي الهادئ البعيد عن المدنية. علي الجانب الآخر، نجد أن الكنديون يرون الأميركيين على أنهم مجموعة من الهمج، الخطرين، لحد القتل، بسبب ارتفاع معدلات العنف في المجتمع الأميركي، والاستخدام المفرط للأسلحة. الشعوب المختلفة في تواصلها مع بعضها البعض، تعتمد في تعاملاتها على صور ذهنية معينة ترسخها في وعيها عن الآخر الذي تتعامل معه، وبدأت تلك الصور في الظهور أو الوعي بها منذ قرون طويلة ترجع إلى رحلات الجغرافيين والرحالة العرب القدماء، فابن بطوطة خرج من طنجة وجاب الأرض، وكتب تصوراته عن الشعوب التي مر بها وعايشها، ومن كتاباته تلك وكتابات غيره من الرحالة تكونت في وعي العرب صورا مختلفة عن الآخر الغريب منهم، سواء كان في افريقية أو آسيا أو في أوروبا، وتواصلت آليات تكوين الصور في التطور والتحديث لتصل في العصر الحديث إلى الوسائل الإعلامية المختلفة، بدءا بالكتابة والصحف حتى التلفزيونات والإنترنت، حيث بدأت الصور المتكونة عن الشعوب باختلافها، تنتقل عبر هذه الأدوات الجديدة بفعالية كبيرة، وتضامنت في هذه المهمة آليات أخرى مهمة مثل الكوميديا والدراما وأحاديث الفكاهة. ليبدو أن الإعلام أصبح هو المشكل الأول والأكثر خطورة للصور عن الشعوب في أذهان الشعوب الأخرى. وكان من بين الأخبار الذي أثارت قطاعات من الأميركيين، الإعلان من جانب مكتب رئيس الورزاء الكندي، عن استعداد كندا استقبال ما بين 25 ألف إلى 100 ألف أميركي للهجرة إلى كندا، خاصة من يعانون من ظروف صعبة. وجاءت هذه التصريحات من جانب الليبراليين في كندا الذين يحكمون أوتاوا، كنوع من السخرية السياسية من التقدم الكبير للمرشح الجمهوري اليميني دونالد ترامب، والذي يراهن الكثير علي فوزه برئاسة الولايات المتحدة، وطرده للكثير من الأجانب والأميركان من أصول غير غربية!! هذا عن أميركا الشمالية، أما عن أوروبا فالحال لا يختلف كثيرا، بسبب التنافس الحضاري والثقافي بين عدة دول. ويأتي في مقدمة الدول التنافس الفرانكفوني بين فرنسا وبلجيكا من ناحية، وبين فرنسا وألمانيا من ناحية ثانية. فالفرنسيون عندما يبدأون نكاتهم عادة ما يبدأون بمقولة أنه كان هناك واحد بلجيكي، علي وزن كان في مرة واحد صعيدي في النكات المصرية. كما يرون الفرنسيون الألمان علي أنهم عبارة عن مجموعة من الماكينات، الحافظة لدرجة الكمال بدون أى مستوى من الفهم. في المقابل نجد أن البلجيك يعتبرون الفرنسيين مغاليين في الاعتداد بأنفسهم لدرجة الغرور. كما أن الألمان يرون كذلك أن الفرنسيين عبارة عن مجموعة من الهمج غير المنظمين، وغير المحترمين لأى قواعد. وأن القواعد تم عملها لكي يقوم الفرنسيون بخرقها!! واستمرارا للمشهد العبثي للصورة الذهنية بين الشعوب، نجد أنه علي مستوى الدول العربية، نجد الصورة الذهنية المتعالية للمصريين الذين ينظرون إلى السودانيين علي أنهم بوابين، وأنهم –أي المصريين هم أميركا العرب والشرق الأوسط- ينظر السودانيين للمصريين علي أنهم متعاليين وعنصريين، وعندهم نعرة كدابة. لا يختلف هذا الأمر بين دول الخليج، فالسعودي يرى أنه الأسمى والأعلى بين كل دول الخليج، ويري الإماراتي نفسه علي أنه الأكثر تقدما ومدنية، ويرى الكويتي نفسه على أنه الأكثر ثراءَ ورفاهية. في المقابل يرى غالبية مواطني الخليج أن المواطن السعودي يتسم بالغرور والذي لا يستحقه، خاصة وأن أحوال المملكة وشوارعها ومبانيها تنم عن مجتمع فقيرة ونعرة كدابة لهذه الرفعة التي يحاولون رسمها علي بقية دول الخليج. كما يمكننا القول أن دراسات كثيرة صدرت ترصد صورة العرب والمسلمين في أذهان المجتمعات الغربية، من خلال تحليل محتوى الأفلام السينمائية والرسوم المتحركة وصور الكاريكاتير، وتتفق الدراسات على أن وسائل الإعلام الغربية عمومًا تكرس الصورة الذهنية السلبية عن العرب والمسلمين. يذكر كتاب "المخادعون" للكاتب الأمريكي جاك شاهين أن وسائل الإعلام الغربية تصور العرب على أنهم شيوخ نفط ومترفون وإرهابيون، ومن سماتهم الشخصية، السمنة والأنف المعقوف واللحية الكثة والثوب والغترة والعقال، بينما تصور الإسلام بوصفه دينًا قبليًا بدائيًا، وبعد ١١ سبتمبر زادت وسائل الإعلام تكريس الصورة السلبية مع ربطها بقتل الأبرياء. يقول جاك شاهين: "دلت أبحاثي التي دامت أكثر من عشرين سنة على أن كلمتي عربي - ومسلم تثيران ردود فعل عدائية يصعب معها على الجمهور أن يميز الحقيقة من الخيال، وربما لم يتعرض أي شعب في العالم نتيجة ذلك إلى هذا المدى من سوء الفهم كما يتعرض المسلمون". وللأسف أن هذه الصورة الذهنية عملت في المجتمع الغربي دون مقاومة تذكر من الإعلام العربي والمسلم، مما رسخ الصورة وزاد انتشارها في وسائل إعلام شرق آسيا، خاصة وأن وسائل الإعلام العربية لا تجيد لغة الخطاب مع الرأي العام ووسائل الإعلام الغربية، لتصحيح أى صور خاطئة. تكوين الصور الذهنية، عبارة عن عملية ثقافية مستمرة، تتطلب استيعابا للمستجدات واستيعابا للقيم المتنوعة في المجتمع، مع وضوح الرؤية في كيفية التعامل مع الصور السلبية، وتعظيم نتائج الصور الإيجابية. والخلاصة، تلعب الصور الذهنية السلبية أو الإيجابية دورا كبيرا في دعم العلاقات بين دولتين أو تسخينها، فعلي سبيل المثال الصورة الذهنية للإماراتي لدى المصريين، نابعة من صورة الشيخ زايد رحمه الله، كونه رجلا محبا لمصر هو وأبنائه، وداعم دائم لها، ولا يختلف الحال بالنسبة للإماراتي الذي يري في المصريين أنهم محبين للإمارات، ولذا يرحب بهم. في المقابل أن العلاقة بين المصري والسعودي أشبه بالنار تحت الرماد، فهما يتعاون ويتحدان عندما تتلاقي المصالح، لكن السعودي يري دائما في إمكانات المصري منافسا مهما له، لذا يعمل علي قمعه وإذلاله، لذا يذكره دائما بمساعداته المالية وفقره. في المقابل يدرك السعودي أن أمنه لا قيمة لا دون الحضور المصري، خاصة وأن الرجل المصري يتحمل الشدائد وقادر علي مواجهة الصعاب، وبدون المصري، لا وجود للسعودي. وهذا أمر يجرح في العمق كرامة السعودي.