الأيوبي و زيف التاريخ
في مارس عام 1193 توفي "صلاح الدين الأيوبي"، وهو الذي يزعم التاريخ بأنه "الناصر" الذي حارب الفرنجه، وحرر القدس من الصليبيين وأسس الدولة الأيوبية والتي شملت مصر والشام والحجاز، بل ويضعه الكثيرين بسبب ما كتبه التاريخ عنه في مرتبةُ عالية جداً، حتي أن الرقابة علي المصنفات الفنية المصرية رفضت فيلماً سينمائياً للفنان الراحل "علاء ولي الدين" لانه حمل عنوان "الناظر صلاح الدين" ، قبل أن يتم تغييره ليصبح أسمه "الناظر"، فقط خشية أن يُعتبر عبارة "الناظر صلاح الدين" تهكماً علي لقب "الناصر صلاح الدين"، وكأنه "نبي". والحقيقة أن صلاح الدين الأيوبي هو مثال حي علي أكاذيب التاريخ وزيفه، فالتاريخ الحقيقي يقول أن "الأيوبي"، - عسكرياً - وعقب إنتصاره في موقعة حطين رفض ارسال جيشه لتحرير القدس كاملة، حتي لا تصبح ولاية خاضعة لما يسمي الخلافة، وحتي لا يكون تابعاً لأحد. وأنه أثناء ما كان الأيوبي يتفاوض مع الصليبيين عبر أخيه "العادل"، بينما كان يُرسل رسائل مغايرة لذلك للخليفة وقتها. بل والأكثر من ذلك أن "صلاح الدين" تحالف مع الصليبين في وقت من الأوقات بغرض مساعدته في مقاومة جيش الخليفة نفسه.هذا علي الصعيد العسكري والذي بالتأكيد صادم لمؤيديه، وعلي الصعيد الإجتماعي، كان "الايوبي"، يعتبر البلاد التي يحكمها ملكاً له، يقسمها علي أقربائه ، بل وورثها بعد موته، فأعطي مصر لولده العزيز ، ودمشق لولده نور الدين ، وحلب لولده الظاهر ، واليمن لأخيه "ظهير الدين". كذلك قام بأبشع محاولات هدم الأثار المصرية، فهدم عدداً من الأهرامات الصغيرة في منطقة الجيزة، وبني بحجارتها القلعة الي حملت أسمه تحت سفح المقطم. كما حرق الأيوبي كتب الفاطميين ، وحرق مكتبة "دار الحكمة"، والتي كانت أعظم مكتبة وقتها لما تحويه من وثائق ومخطوطات الهامة. وإمعاناً في الإذلال، أفقد القاهرة قيمتها ومكانتها كمركز للحكم ، وجعلها مبتذلة لسكن العامة والجمهور به، وحولٌ القاهرة إلي مجرد حارات ومسالك وأزقة وعمت الفوضي بها. ووضع يده علي القصور فأسكن ببعضها ذويه وأمرائه، وهدم البعض الأخر بعد أن أستولي علي كل ما بها من خزائن واموال ونفائس. كما أستولي علي ما بالأزهر وما بالمساجد من فضة، ومنع الصلاة بالأزهر لعشرات السنين، وترك الحكم والأمور الأخطر ليد خادمه "بهاء الدين قراقوش"، وفقد العلم قيمته وعمت الفوضي و الفقر بالبلاد.
"صلاح الدين الأيوبي" بطل صنعه الزيف، ففي زمن الهزائم والضعف ، يستعيد الحالمون أبطال تلك الخرافات القديمة للوجود مرة أخري، وعند غياب قيمة الصدق، تسود الأكاذيب بقوة عبر صفحات التاريخ ووجدان البشر. "الأيوبي" مثل غيره كثيرين، حلقات في سلسلة طويلة من تاريخ مزيف.
المراجع:
«صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين» للكاتب حسن الأمين
كتاب «الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة بأرض مصر» للكاتب عبد اللطيف البغدادي
كتاب «خطط المقريزي» لــ تقي الدين المقريزي