عبد المسيح يوسف يكتب: ملك الأحلام .. إبداع يفوق المنتظر في سان مارك
الكنيسة مؤسسة عريقة، تضرب بجذورها منذ آلاف السنين، وتعد عن جدارة سفينة للخلاص الروحي والاندماج والنضج المجتمعي. هذا الأمر تجده متحققا في كاتدرائية سان مارك في مونتريال، وهي نموذج للكنيسة الأم في مصر، مع اختلاف البيئة المحيطة، فبيئة ومجتمع كندا تختلف كليا عن مصر. فالآباء الكهنة الآجلاء، دائما متواجدين ومرشدين ومستعمين وناصحين. وأسرة الخدام متعاونة وتهتم بأبنائنا، لتطوير مستوياتهم الروحية وارتباطهم بالكنيسة عبر أنشطة روحية ومجتمعية. أما الشباب والأبناء في الكنيسة من مجتمع الأعمار، فيتمتعون بالعقلية المنفتحة والنقدية، الراغبة والساعية للتطوير، يجيدون أكثر من لغة، ويتحاورون بكل احترام وتقدير مع الأكبر منهم.
هذه المنظومة الجديرة بالملاحظة والدراسة تستطيع أن تقرأها في النجاح المتكررة لأنشطة كاتدرائية سان مارك في مونتريال والتي عرضت مؤخرا مسرحية "ملك الأحلام". ويدهشك أنهم يعملون كأسرة واحدة، وخلية نحل لا تمل ولا تكل، من سن الحضانة، وحتى مستوى الخدام. "الكل في واحد، وواحد في الكل". فعلي مدار يوم كامل، الموافق الأحد 9 أكتوبر، وعلي مدار 4 ساعات، كانت مسرحية ملك الأحلام، حول قصة يوسف بن يعقوب، ملك الأحلام، وهو اليوم الذي صادف الذكرى الخامسة لشهداء ماسبيرو الأبرار.
قصة يوسف النبي، يعرفها الجميع، هذا النبي البار، الذي باعه أخوته العشرة، للإسماعيليين للتخلص من حب أبيه يعقوب له وتمييزه له عليهم. وبعد حكايته في بيت فوتيفار رئيس شرطة مصر، ومحاولة غدر زوجة فوتيفار بيوسف، حتى وصوله لتفسير أحلام فرعون مصر، وتبوءاه منصب وكيل فرعون علي كل أرض مصر، لإدارة شؤونها خلال سنوات الرخاء السبع وبعدها سنوات الجفاف السبع.
القصة بديعة ومعبرة، عن أن البشر يمكن أن يريدوا الشر بشخص ما، لكن هذا الشخص طالما أنه قريب من الله، فإن الله يحول هذا الشر إلى خير كثير.
أكثر من 170 شاب وفتاه من مختلف الفئات العمرية بكاتدرائية سان مارك بمونتريال، وبرعاية وبركة ومتابعة الأباء الأجلاء أبونا ميخائيل عزيز وأبونا بيشوي سعد وأبونا فيكتور نصر وأبونا موسي، الذين وفروا كل الإمكانات والرعاية والتوجيه. نجحت مسرحية ملك الأحلام نجاحا كبيرا.
هذا العمل الكبير، وقف ورائه كل الكنيسة من مختلف الأعمار. والجميل في الأمر، رفض الجميع ذكر أي اسماء، سواء من الخدام أو الممثلين أو الكورال، وكلهم أكدوا أن من قام بهذا العمل الجميل والرائع، شباب وفتيات وأبناء وبنات كاتدرائية سان مارك في مونتريال. ورفضوا ذكر أى أسماء، علما بأن مثل هذه التغطيات تكون للتوثيق لمثل هذه النوعية من الإبداع الثفافي والفني والأدبي، لجيل من أجيال كاتدرائية سان مارك بمونتريال يستحق التقدير والإشادة علي هذا العمل الإبداعي المحترم.
فعلي مسرح مدرسة جورج فانييه الثانوية Georges Vanier في منطقة فيلاري Villeray، شارك بالحضور أكثر من 400 شخص، من كنيسة مونتريال ومن الكنائس الأخرى القريب في مونتريال.
مسرحية ملك الأحلام، تكونت من 3 فصول، وكل فصل من 3 مشاهد. وبعد كل فقرة إبداعية، كان كورال مار مرقس المبدع من مختلف الأعمال، يفتن الحضور بترنيمة، سواء بالعربية أو بالفرنسية.
أما فنانو مسرحية ملك الأحلام، رغم صغر سنهم، إلا أن أدائهم كان احترافيا للغاية، حتى الملابس سواء للشخصيات الفرعونية أو للعبرانيين فقد كانت معبرة للغاية، فضلا عن ديكور المشاهد، الذي كان جذابا سواء لمنزل فوتيفار أو قصر فرعون أو الصحراء والبئر الذي رمي فيه يوسف قبل بيعه للإسماعيليين.
أما سكريبت المسرحة فكان سلسا، وكان يتم عرضه كذلك علي شاشة عرض في أحد جنبات المسرح بالإنجليزية.
الإضاءة كانت معبرة في كثير من المشاهد، حسب تطور الأحداث، والموسيقي التصويرية في اللحظات الحساسة في العرض، كانت تزيد التشويق وجذب الانتباه للحضور.
هناك الكثير من الشخصيات من الخدام والخادمات الذين بذلوا جهدا خرافيا، علي مدار أسابيع. ويعلم الكثيرون مدى الجهد المبذول، خاصة وأن فريق عمل المسرحية والكورال زاد علي 150 شخصا من سن الحضانة وحتى مستوى الخدام والشمامسة.
كان موقف البعض من أولياء الأمور وعائلات المشاركين في المسرح والكورال، الحضور، لدعم أبنائهم وبناتهم. ولكن بعد أن بدأت أولى فقرات المسرحية والكورال، وما صاحبهما من ملابس مناسبة للمرحلة الزمنية للمسرحية، والإضاءة، والموسيقي، والديكور، فقد كانت النتيجة أن الإداء كان رائعا، وأكثر إبداعا مما كان يتوقعه البعض.
صفق الحضور في بعض الأحيان لفترات طويلة، تقديرا واعجابا بالجهد المبذول، وقال بعض أولياء الأمور أن بعض المشاركين في هذا العرض الرائع ينافسون أبطال مسرح مصر من الشباب من حيث الموهبة والقدرات الإبداعية. ويكشف بالفعل عن عناصر لديها صدق واتقان في تقمص الشخصيات، والتعبير بسلاسة وابداع.
ولهذا كله تستحق كاتدرائية مار مرقس ككل بمونتريال، تستحق التقدير والتحية والشكر علي هذا العمل الإبداعي، الذي امتع الحاضرين، وأكد علي أن هناك مواهب متنوعة بين أبنائنا وبناتنا، الذين يستحقون كل دعم وتشجيع وتحية، هم وخدامهم، الذين يعتبرون الجنود الحقيقيون لهذا النجاح، في ظل إيمان حقيقي من الآباء الكهنة الأجلاء برعاية هذه الأنشطة الإبداعية لتحقيق التوازن بين في حياة وشخصيات أبناء وبنات الكنيسة من مختلف الأعمار. خاصة وأن الفرحة كانت كبيرة لدى كل المشاركين في العرض المسرحي والكورالي. وشعروا بمدي التقدير من جانب الحضور، وهو ما جعلهم يشعرون بالرضا والسعادة، وهذا أمر مهم لأبنائنا لتحقيق توازنهم ويحقق ذاتهم، بالتعبير عن مواهبهم وقدراتهم الإبداعية. ولذا فبدلا من أن نشكر أشخاصا، وكلهم يستحقون فعلا الشكر. شكرا كاتدرائية مار مرقس بمونتريال ممثلة في الآباء الكهنة الآجلاء والخدام وأبناءنا وبناتنا علي هذا العمل الإبداعي الرائع لملك الأحلام .