ابرام مقار يكتب: فيديوهات الفقراء .. إنذارات لمن يهمه الأمر!
أنتشرت عدد من الفيديوهات هذه الأيام، علي مواقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك و تويتر"، لمصريين يتحدثون عن معاناتهم من قسوة الحياة والغلاء، ربما كان أشهرها، ما عُرف بفيديو "سائق التوكتوك"، والذي ظهر علي قناة "الحياة" ، و فيديو أخر تم نشره علي قناة "دريم"، لمواطن بمحافظة بورسعيد، قال وهو يبكي، أنه يتمني الموت لعدم قدرته علي الإنفاق علي الأكل والعلاج. والأهتمام بهذين المشهدين تحديداً من بين عشرات الفيديوهات المنتشره علي مواقع التواصل الإجتماعي هذه الأيام، يرجع ليس فقط لتحقيق نسبة مشاهدة بالملايين في ساعات، ولكن لأن القنوات التي قامت بعرضها هي قنوات محسوبة علي الحكم. أي أن عرضها لا يمثل حالات فردية تصيدتها تلك القنوات، لكنها حالة منتشرة بين كثيرين، مما أجبر القائمين علي تلك القنوات علي عرض تلك الفيديوهات. وبالتأكيد لو لم يكن ما قالوه في تلك الفيديوهات صدق و حقيقة ما التفت إليها أحد، ولكن بالأرقام تلك الفيديوهات حظيت بمشاهدة ربما لم يحظي بها جلسات البرلمان الحالي في دورته الأولي بأكملها، وهذا إنذار خطير أن الناس لم تعد تبالي بمتابعة أداء مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات التي يُفترض أنها تُعبر عنه، لُتقبل علي مشاهدة فيديوهات يتحدث فيها أخرين عن ما بداخلهم، ولا يستطيعون أن يقولوه.
ما أثارته تلك الفيديوهات من مشاهدة وجدل، دفع عدداً ليس بقليل من مؤيدي الرئيس، ممن نعتبرهم دببة الرئيس - في إشارة إلي الدبة التي تقتل صاحبها - من رجال إعلام وأدمن صفحات تواصل و كتاب و صحفيين، للتعتيم علي المشهد، وعدم قرائته بطريقة صحيحة، وتناولوا كل المشاركين في تلك الفيديوهات بموجه من التشويه والتخوين، سواء القنوات نفسها أو الإعلاميين الذين أجروا تلك اللقاءات أو الضيوف الذين قالوا ذلك الكلام، والذين تم إتهامهم بأنهم إخوان - رغم أن الصفحات التابعة للجيش نفت ذلك الإتهام - مع إتهامات رنانة علي غرار "هدم الدولة" و "تشويه سمعة مصر"، ويبدو أنهم للأسف نجحوا في إضاعة فرصة جديدة للدولة في أن تلتقط هذا الإنذار الخطير لمشكلات يتعرض لها عشرات الملايين.
نعم لا يوجد ثمة عاقل يعتقد أن النظام الحالي يستطيع حل مشكلات عقود في عامين فقط ، لكننا أيضاً وفي الوقت ذاته لا نسير علي الطريق الصحيح. نعم إسقاط الطائرة الروسية كان سبب أساسي لتراجع السياحة بنسبة 90 بالمائة بحسب تقارير رسمية، ولكن دولاً أخري مثل فرنسا مرت بعدة حوادث إرهابية ولكنها عالجت وضاعفت التسويق وأصدرت البيانات الأمنية لطمئنة السائحين، فلم تتراجع سوي بمقدار 7 بالمائة فقط، أنه أسلوب الـ "Damage control"، المعروف في علم الإدارة. نعم هبوط العملة الرسمية يحدث في دولاً كثيرة، ولكن ليس بهذا الشكل وبهذا المقدار وفي غياب قرارات حكومية جادة وملموسة.
لاشك أن تلك الفيديوهات ليست جرس إنذار للقائمين علي الحكم فقط، ولكن لنا أيضاً، نحن المقيمين خارج البلاد بأن علينا دور نحو أخوتنا في الداخل الذين لهم إحتياجات مادية وما أكثرهم.
نتفق أن أي تحول ثوري مفاجئ في الأجل القريب قد يضر أكثر مما يفيد، ولكن مواجهة المشاكل يكون بالحل وليس بالنفي ، ومنع الثورات يكون بمنع أسبابها وليس بقمع أفرادها. وإذا التقطنا الرسائل مبكراً سنصل لبر الأمان.