زينب علي البحراني تكتب: التنوع الديني والمذهبي وحماية التوازن الإنساني
كيف سيبدو شكل الحياة لو كانت الأشياء كلها بلون واحد، ورائحة واحدة، وملمس واحد، ومذاق واحد؟ كيف سيبدو العالم لو كنا نحن البشر متماثلين في الاسم والشكل والصوت؟ كيف سيتحقق التكامل بين البشر لو كنا جميعا نعمل في مهنة واحدة ونتكدس في بلد واحد؟ هذه التساؤلات كلها تقودنا إلى حقيقة مفادها أن الاختلاف بين الأشياء والأشخاص قلبًا وقالبًا ضرورة من ضرورات تقدم البشرية، وعامل أساسي من عوامل قدرة الإنسان على تحمل الحياة، ومن هذا المنطلق يصير اختلاف البشر في توجهاتهم الدينية والطائفية والمذهبية أمرًا ضروريًا لحماية التوازن الإنساني مثل اختلاف جنسياتهم وتخصصاتهم العلمية ومهنهم ورغباتهم وطموحاتهم التي تميز شخصياتهم وتجعل منها عناصر قادرة على إكمال ما تحتاجه الشخصيات المختلفة عنها.
دين الإنسان وطائفته من أهم عناصر تشكيل بنيته الثقافية، وهذا يجعل من الاختلاط بين ابناء الديانات والطوائف المختلفة كنزا انسانيًا عظيمًا ورافدًا لصنع الحضارات شرط أن يلتقي البشر من مختلف الأديان والطوائف على أرضية من الوعي الذي يقف سدًا منيعا في وجه التعصب العنصري الهدام، فالتعمق في اكتشاف الأبعاد الفلسفية لكل دين ومذهب توسع من مدارك الإنسان وترفع من مستوى وعيه الخاص، ليغوص في عالم التعرف إلى معاني الطقوس والأحكام والأهداف المنشودة منها، ويسبر أغوار أسرار الأبعاد التاريخية لولادة دين بعينه في مكان وزمان وظروف بعينها، ويرى كيف أن هذا العالم مليء بما لم يكن يعلم، فيعيش لذة الولادة المعنوية من جديد في كل مرة يعرف فيها جديدًا.
من أهم الأهداف الأساسية لأي دين تحقيق جانب هام من جوانب الإشباع الروحي والتوازن النفسي للإنسان، وهي مسألة شخصية تتعلق بصاحبها، ونشر العدل بين البشر عن طريق الأمر بالحق والنهي عن الظلم، وهي مسألة عامة تستهدف خير الإنسانية جمعاء، وكل المظاهر الدينية الخارجية هدفها خدمة هذا الجوهر الأساسي الذي يحقق السلام على الأرض للإنسان ولبقية المخلوقات، بينما يرجع كل صراع ديني أو مذهبي إلى جذور أنانية متغطرسة تعيش أوهام التعالي على الآخر رغم أن لا أفضلية بين البشر الذين خلقوا جميعًا من أصل واحد ويعودون في خاتمتهم إلى أصل واحد، ويحتاجون إلى بعضهم البعض خلال رحلة حياتهم القصيرة على هذا الكوكب، تلك الحاجة التي تتجلى بوضوح أكبر في أوقات المصائب والكوارث والأزمات وتجعل من تقوقع الإنسان في شرنقته الدينية أو الطائفية بعيدًا عن مد يد المساعدة للآخرين وتلقي أيديهم الممتدة لمساعدته أمرًا مستحيلاً، وهو ما يذكرنا بمقولة المفكر والناشط السياسي الأمريكي "مارتن لوثر كنج": "علينا أن نتعلم العيش معًا كإخوة، أو الفناء معًا كأغبياء".
إن التعددية الدينية والطائفية ثروة قادرة على رفع مستويات التنمية الإنسانية في مختلف المجالات إذا تم استغلال الجوانب الإيجابية في كل منها وفق استراتيجيات ذكية تقوم على أساس من النوايا الطيبة الصادقة، لكنها تتحول إلى قنابل موقوتة إذا تم شحنها بمشاعر العداوة والكراهية ضد الآخر لتدمر حاملها قبل أن تدمر من يرى فيهم اعداء له، ولا يختار الخراب على البناء والسلام والرفاهية شخص عاقل.