عبد المسيح يوسف يكتب: لماذا يخاف الآخرون من محاولة إعادة بناء أميركا قوية؟
منذ أن فاز ترامب بسدة الحكم ورئاسة الولايات المتحدة الأمريكية والحديث عن بللورة نظام دولي جديد، تختلف فيه العلاقات بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب. في ظل قدوم رئيس يميني له توجهات وطنية شوفينية، تستهدف إعادة بناء الأمة الأميركية، واسترجاع مجدها المتآكل تحت حكم إدارة الديمقراطيين، التي تم شراء بعضها بفعل الفوائض البترودولارية.
هذه النظام الجديد لن يكون فيه صراعا بين الشرق الغرب، حيث تحالف جديد بين واشنطن وموسكو، ولكن الصراع فيه سيكون بين الشمال والجنوب وفق دوائر الهوية، وفي مقدمتها الهوية الدينية، بعد أن استشري بصورة لا إنسانية، نفوذ وسطوة ودموية الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش، لتمثل تهديدا حقيقيا باسم الدين الإسلامي، لكل قيم الحضارة والإنسانية والأديان السماوية السمحة.
فوبيا ترامب في العالم الإسلامي والشرق الأوسط
لا تزال العقليات الاصطناعية المسطحة تهيمن علي جزء من بوابات صناعة الرأي العام في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. فعلي الرغم من كل الخوف والرعب المتفشي في قطاعات يعتد بها في العالم الإسلامي منذ فوز ترامب برئاسة أمريكا، إلا ان مجرد استماعه لعدد من آيات القرآن في كاتدرائية واشنطن جعل وسائل الإعلام تتغني بالقارئ، الذي ابدع في ايصال الرسالة. وهي بالفعل كانت رسالة إيجابية، رسالة التعارف بين الشعوب، ولماذا لا يركز عليها الإعلام داخليا، داخل الدول العربية والإسلامية، في التعارف بين الشعوب، بدلا من رسائل الكراهية ضد كل ما هو مختلف، من أجل حفنة من دولارات الوهابيين والسعودية!!
الأمر الآخر، فأنه من المهم إدراك أن ترامب لم يأت لمحاربة العالم الإسلامي والقضاء عليه كما يتوهم البعض. ترامب رجل شوفيني "وطني" يميني، يتبني خطاب يداعب مشاعر ويحرك سلوكيات ملايين من الأمريكيين والغربيين، الذي فاض بهم الكيل من سياسات اليمين الليبرالي عن الديمقراطي وحقوق الإنسان، التي اكتشفوا ان بها ازدواجية في التعامل يستفيد منها الإرهابيون وبعض سكان الدول التي تشتم ليل ونهار دولهم، والمتضرر الوحيد منها، هو المواطن البسيط، الذي يدفع ضرائبه للدولة الأميركية وللدول الغربية، في كل عملية شراء، حتى لعلبه لبان أو علكة بسيطة، لتقدم حكوماتهم الليبرالية والديمقراطية "يسارية التوجه" معونات ومنح بمئات الملايين لهذه الدول، التي تغرق في بحور من الكراهية تجاه أمريكا والمجتمعات الغربية، وهدفها الوحيد، غزو وفتح هذه المجتمعات وفق قيم معتقدات سكان هذه المجتمعات.
ولحسن الطالع أن ترامب أصبح صناع القرار، القادر علي ايقاظ الرأي العام الشعبي في أمريكا والغرب، تجاه هذه الحقائق، وأن اليسار رغم منطقه الأيديولوجي والفكري، إلا أنه أضطر كثيرا بالأمن القومي للمجتمعات الغربية، وعرضها لموجات من الهجرة أثرت سلبا علي السلام المجتمعي في الغرب. في المقابل فشل هذا اليسار المجوف والكاذب حسبما يرى الكثير من تيار اليمين المحافظ في أن يفرض أى تحسين في شروط الحياة ونسق القيم، علي المجتمعات التقليدية للعوالم العربية والشرق أوسطية والجنوبية، بل علي العكس زاد حركاتها المتطرفة تطرفا وإرهابا، بعد أن فضحت النظم الغربية اليسارية في دعم التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش وغيرها من منظمات الإرهاب والقتل في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها من دول المنطق، مع نجاة مصر من هذا المخطط الأمريكي الأوروبي للفوضي المدمرة.
أمنيات قطر وهواجس السعودية!
يبدو أن العداء المعلن من قبل الرئيس الأمريكي، ادي لإصابة عدد من دول الخليج بالهلع. السعودية متخبطة، ولا تعرف ماذا تفعل لكل تواجه الغضب الأمريكي في عهد ترامب. فبعد سنوات من الهيمنة السعودية في العلاقات الأمريكية السعودية، بسبب مليارات السعودية، التي اشترت إدارات كلينتون وأوباما وبالطبع قبلهما جورج الأب والإبن، يبدو أن هناك تغيير جوهري في العلاقة بين واشنطن والرياض. فترامب كما معروف عنه ليس جمهوري بالمعني السياسي الحزبي، ولكنه يميني محافظ، يعمل علي مخاطبة المواطن الأمريكي العادي، عبر احياء مجد أمريكا، الذي اشترته دول البترول الخليجية، في صورة استثمارات وتبرعات للمؤسسات، التي اسسها الرؤساء الأمريكيون، الذين انتهت فترة رئاستهم وتوجهوا لعمل مؤسسات مدنية تلم وتجمع ملايين دول الفوائض البترولية في المنطقة الشرق أوسطية.
ترامب يدرك جيدا أن المواطن الأمريكي فاض به الكيل من الرضوخ الأمريكي وحروب الوكالة بسبب مليارات السعودية في المنطقة، فالإنسان في الثقافة الغربية والأمريكية، أغلي من الإنسان في الثقافة الشرق أوسطية والسعودية. فالإنسان في الغرب باني للحضارة والتقدم، بينما في الشرق الأوسط والسعودية، إنما هو مستهلك للحضارة والمدنية بفعل التدفقات المالية البترودولارية.
ويبدو أن قطر، الدويلة الصغيرة داعمة الإرهاب، تتمتع بدهاء نسبي أكثر من مملكة السعودية، التي يحمها ملك تنتشر الشائعات حول اصابته بالزهايمر، وصراع داخلي بين ولده محمد بن سعود وولي العهد الرسمي حتى الآن محمد بن نايف، حول من سيخلف سلمان، الملك الواهن في العجز والوهن والسن.
قطر، عبر صندوقها الاستثماري السيادي، تعلن رغبتها القوية، وفي استثمار 10 مليارات دولار في البنية التحتية الأمريكية، مع مراعاة أن ترامب لم يطلب منهم اي استثمارات. والأكثر من ذلك، يقول المتحدث باسم صندوق قطر السيادي للاستثمار الشيخ عبد الله بن محمد آل ثاني أن قيمة أل 10 مليارات هذه هدية ضمن حزمة استثمارات تقدر بنحو 34 مليار دولار في البنية التحتية الأمريكية خلال الفترة من 2016-2021، ولمن زار أمريكا فإن قطاع البنية التحتية الأمريكي يحتاج لقدر من التطوير مقارنة بدول غربية أخرى أكثر تقدما فيه مثل كندا.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تدرك قطر أنها تتعامل الآن مع رئيس دولة، بخبرة رجل أعمال، ويعرف كيف يتعامل مع الأموال والمليارات ولا يهلث ورائها، مثلما كان حال أوباما وكلينتون وغيرهم من فاسدي السياسة الأمريكية. وكان من أطرف التعليقات، التي سمعتها من صديق لي، أن ترامب سيحصل علي أموالهم دون أى يعطيهم أى شئ، فهو غير قابل للشراء، والعمل في أمريكا استثماريا، سيكون وفق قواعد جديدة، اساسها حماية الاقتصاد الأمريكي.