دولا أندراوس تكتب: وا ميانماراه
شعورك وأنت تسمع أخبارا عن زلزال أصاب منطقة ما على الناحية الأخرى من الكرة الأرضية بالتأكيد سيختلف عن شعورك عندما تهتز الأرض من تحتك فيما تجلس آمنا في منزلك. ما من شك في أن درجة الانفعال والتفاعل والتأثر بالحدث تختلف من شخص لآخر بحسب درجة تأثير هذا الحدث على حياته بشكل شخصي ومباشر. لذلك قد أتفهم ألا ينفعل البعض بالأذى الذي يتعرض له غيرهم.. وأتفهم أن يلوذوا بالصمت حيال الكوارث التي تحدث للآخرين وأن يقفوا منها موقف المشاهد طالما كان الأمر لا يعنيهم وطالما بقي الضرر بعيدا عنهم.
قد أتفهم ذلك كله بالرغم مما يعكسه هذا المسلك من قصور شديد في درجة الوعي الإنساني، وعدم إدراك لخطورة التغاضي عن مساندة الحق ولمساهمة هذا الصمت المتواطئ في ترسيخ دولة الظلم التي لابد وأن تطال الجميع في النهاية. هذا المسلك يعكس أيضا عجزا عن إدراك واجب الفرد تجاه مجتمعه ودوره الفاعل في بناء مشروع مجتمعي توافقي جامع يضمن حقوق كل الأطراف والطبقات والتيارات ويحقق الأمن والاستقرار لكل فئات الشعب وأطيافه. أقول انني قد أتفهم هذا كله وإن لم أقبله لكن ما أعجز حقا عن استيعابه فهو أن في الوقت الذي يعير فيه البعض أذنا صماء تجاه ما يحدث لجيرانهم في البيت المجاور، تجدهم مستاءين وغاضبين للغاية بسبب أحداث تجري على بعد آلاف الأميال منهم لأناس لا تربطهم بهم أية صلة.
في كل يوم هناك ظلم بيّن وممارسات وحشية تقع على مواطنين مصريين لمجرد أنهم ينتمون إلى فئة أضعف أو أكثر فقرا أو أقل عددا أو مختلفة بشكل ما عن ألأغلبية، ونجد أن الأغلبية تتعامل مع هذه الإجحافات بتهاون ولا مبالاة وأحيانا بحقد وتشف يكشفان عن عداوة غير مبررة. فعلى سبيل المثال وبينما تحدث جرائم وانتهاكات طائفية ضد أقباط مصريين في قرى ونجوع ومناطق مصرية نجد عامة المصريين منشغلين بالتعبير عن غضبهم تجاه أحداث عنصرية تجري في تركيا مثلا أو في غزة أو في ميانمار. سلوك مخالف للطبيعة ويميل نحو التبلد فحتى الأمثال الدارجة تقول أن الجار أولى بالشفعة وأن جارك القريب ولا أخوك البعيد.
جزء كبير من هذه اللا مبالاة يرجع إلى توجه منظم بدأته السلطات الحاكمة منذ عقود طويلة في اتجاه تديين السياسة أو بمعنى مماثل تسييس الدين، وذلك لمد النظام الحاكم بشرعية تمنع المساس به وتحصن سلطته وتضمن لحكمه البقاء والاستقرار. ومن هنا بدأ مشروع أسلمة الدولة الوطنية الحديثة وإخضاع منظومتها القيمية للشريعة الإسلامية بحيث تكون الهوية الدينية الإسلامية هي السائدة بلا منازع. وبدلا من أن يستخدم الدين كوسيلة لتحقيق الترابط بين أفراد المجتمع لارتباطه بمعتقدات إنسانية وقيم منطقية مقبولة من كافة العناصر المجتمعية، وبدلا من أن يأخذ دورا حيويا في تحقيق التناغم والدمج المجتمعي تحول إلي أيديولوجية سلطوية ترتب عليها ضياع الهوية المصرية. وانحصر مفهوم الهوية لدى العامة في الدين وحده وأصبح هو العامل الوحيد المعترف به الذي يربط الناس ببعضها والمسوغ الوحيد الذي يستدعي التعاطف.. وبذا أصبح المسلم الباكستاني أو المسلم الأفغاني أقرب إلى المسلم المصري من المسيحي المصري. فهانت الأخوة وهان التاريخ وهانت الشراكة في السراء والضراء وهان الوطن بأكمله على الكثيرين وأصبحنا نلحظ لدى البعض استهتارا يكاد تكون احتقارا لمصر ولكل ما هو مصري غير مسلم. أخشى اننا كشعب ننسحب الى منزلقات شديدة الخطورة دفعتنا إليها بعض القوى التي لا تبالي بغير تحقيق مصالحها وترسيخ مكانتها وأخشى أن تضيع منا مصر الفرعونية التي كانت يوما من أعظم حضارات البحر الأبيض المتوسط.