دولا أندراوس تكتب: كندا بهدلتني
أصدقاء الطفولة والحلم الأخضر.. يصعب جداً أن ننساهم مهما نبا بنا المكان وابتعدت المسافات، ويظل مكانهم شاغراً في القلب مهما التقينا بآخرين وأقمنا علاقات جديدة، ويظل يراودنا نحوهم حنين يقطر ألفة كلما عبرت خيالاتهم علي الذاكرة.
كان قلبي يخفق بشدة ونحن في طريقنا إلى المطار لاستقبال صديقة عمري التي أخيراً منّ علي الزمان برؤيتها بعد سنوات طويلة لم أرها فيها مرة واحدة. كانت قد قررت هي وزوجها زيارة كندا في محاولة لاستكشاف البلد كخطوة تمهيدية لاتخاذ القرار بالهجرة. وكنت أنا -وكلي إشتياق لرؤيتها- أحث زوجي علي الإسراع في القيادة خشية أن تحط الطائرة قبل وصولنا المطار. ولكن الحمد لله وصلنا قبل دخول المسافرين إلي باحة الاستقبال. ووقفت أنتظر مجيئها في ترقب ولهفة وأتساءل عما إذا كانت ملامحها قد تغيرت كثيراً وعما إذا كنت سأتعرف عليها لما أراها. ولكن ما إن وقع بصري عليها حتي شعرت بسخف تلك الأفكار.. فها هي صديقتي تقبل نحوي بنفس البنية ونفس المشية ونفس الابتسامة وإذا بكل تلك السنوات التي باعدت بيننا تتلاشي كأن لم تكن، وسرعان ما انطلقت الصرخات وعلت الأصوات بالتحيات والضحكات تعكس ما اعترى القلوب من بهجة وسعادة.
كنت وزوجي قد أعددنا برنامجاً حافلاً لفترة الزيارة بمجرد أن علمنا بموعدها. وكان هذا البرنامج يتضمن زيارات لمعالم البلد الرئيسية وبعض الأماكن الترفيهية والمولات. ولكن بمرور الوقت بدا لي أن تلك الأنشطة كانت دون المستوي بالنسبة لصديقتي وأسرتها٬ ولاحظنا من تعليقاتهم وملاحظاتهم على أسلوب الحياة في كندا أنه ليس على قدر توقعاتهم.. فقسوة الشتاء والطعام الذي لا مذاق له وصرامة نظام العمل وكثرة المسؤوليات كلها عوامل تؤدي إلى جفاف الحياة و تزيد من معاناة الناس. وسألتني صديقتي عن الشغالة والكوافير والدليفري والنادي وتحدثت عن شواطئ الساحل الرائعة والفنادق العالية الخدمات والمطاعم الرفيعة المستوي.. وأسرت لي ذات مساء: ״كندا بهدلتك!״ وكنت أعتقد أنها رأتني في أحسن حالاتي.
وبعد انقضاء الاسبوعين وانتهاء الرحلة عادت صديقتي وأسرتها إلي مصر وقد انطفأ الحلم الكندي لديهم إلى الأبد. ووقفت انا -بعد سفرهم- أمام المرآة أحدث نفسي.. هل حقاً كندا بهدلتني؟ أم أنها في واقع الأمر جعلتني أكثر قوة وصلابة؟ وهل الترف والرفاهية والعيش الرغد هم الغرض النهائي لتعبنا و كفاحنا ومصارعتنا مع الأيام، ام أننا نفعل ألك لكي ننضج ونتعلم ونبني أنفسنا ونقويها. إن المشاق والمتاعب والصعاب هي فرص للنمو وبناء الشخصية تزيد المرء قوة و قدرة على مواجهة المصاعب والعقبات. ونحن إذ نحتضن الحياة من هذا المنطلق لن يعرف التبرم طريقه إلي نفوسنا بل سنتقبل ما تقدمه الحياة من صعوبات بصبر ورضا عالمين أن في كل تعب منفعة.