السعودية زينب علي البحراني تكتب عن ”تيران وصنافير”: ما يُعرف ولا يُقال
بقلم: زينب علي البحراني
خلال الأسبوعين الأخيرين انهمرت الرسائل والمكالمات على مختلف وسائل التواصل بي من أصدقاء مصريين يسألون عن رأي الشعب السعودي تجاه آخر مستجدات قضية جزيرتي "تيران وصنافير"، بينما كان ردي هو التزام الصمت وتجنب الرد في كل الأحوال لعلمي بأن ردودي مهما كانت موضوعية، ومهما أكدت الأحداث الواقعية صحتها، ستبدو مستفزة لمشاعر أولئك الأشقاء، وقد تؤدي إلى ذاك الطريق المسدود الذي لا أطيقه، والذي يجبرني على إنهاء الحوار بقولي: "صح.. أنت على حق" كي أتجنب انهيار بنيان تلك الصداقات العتيقة على صخرة الواقع السياسي. وفي النهاية آثرت الإفصاح عن رأيي بين سطور مقال راجية أن يقرأه المواطن المصري بعين مُحايدة، متحررة من فائض المشاعر العشوائية.
يشعر بعض المصريين بالدهشة لأن كافة وسائل الإعلام السعودي تجاهلت أمر الحديث عن الجزيرتين، بل ولأن الشعب السعودي نفسه لم يعد مهتمًا بإبداء رأيه تجاه ما يحدث في مصر بشأنهما عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة، ومن وجهة نظري أن مشكلة الشعب المصري العزيز هي إنكاره لما تراه الشعوب المحيطة به من ظروفه، أو بكلام أكثر دقة: هو يعرف المشكلات التي يعيشها بلده؛ لكنه يظن أنها تخفى على البلدان الأخرى، ومن هذا المنطلق فإن جزء من الشعب المصري يرتدي ثوب "الثائر لكرامة أرضه" ثم سرعان ما ينسى الأمر عندما يلمح "عقد عمل" في السعودية! أدرك أن ما قلته الآن يبدو حساسًا وجارحًا لكثيرين، لكنها الحقيقة، وما لم يواجهها الإنسان المصري بعيدًا عن الازدواجية في التعاطي مع الأحداث لن يجد حلاً لتلك الأزمات المتصاعدة.
هل الحكومة المصرية مستعدة لاسترداد ملايين المصريين العاملين في السعودية وتوفير أعمال بأجور كريمة لهم داخل مصر؟ الجواب: "لا"، هل ملايين العاملين في السعودية مستعدين للعودة والاستقرار بشكل دائم في مصر وترك حياتهم إلى الأبد في السعودية؟ الجواب: "لا"، هل حقا أعمال المصريين في السعودية كلها مهمة ولا يمكن للشعب السعودي أو الاقتصاد السعودي الاستغناء عنها؟ أنا كمواطنة سعودية أعرف الظروف لدينا جيدًا وأراها من قلب الحدث أقول لكم: "لا"، كثير من المهن التي يعتاش عن طريقها المصريون في السعودية كالطب والتمريض والهندسة والتدريس والتصميم الجرافيكي والاستقبال والفنادق والسواقة صارت مكتظة بالسعوديين وصولاً إلى مرحلة البطالة لا سيما في المدن الكبرى، وما فتح أبواب استقدام العاملين من مصر إلا في إطار اتفاقات سياسية تساعد بها الحكومة السعودية حكومة مصر على تجاوز الأزمة وليس لاحتياج حقيقي في سوق العمل، ولا مجال أبدًا للمقارنة بين الفوائد والمكاسب التي ينالها العامل المصري من وظيفته في السعودية مهما قل شأنها وبين ما يقدمه من مجهود يستطيع عامل سعودي أو حتى عامل من أي بلد عربي أو شرق آسيوي آخر تقديمه، لا أقول هذا من باب "التعالي" والعياذ برب العالمين؛ بل من باب رؤيتي للأحداث وقراءتي الواقعية لها كل يوم، لقد تجاوزنا فترة السبعينات من القرن العشرين التي كان فيها الطبيب أو المهندس أو المدرس المصري يُعتبر كنزًا وصار العرض لدينا أكثر من الطلب في سوق العمل المكتظ بخريجي الجامعات السعوديين، بينما مازال بعض المصريين ينظرون إلى الواقع السعودي بنظرة فترة السبعينات التي ماتت بالنسبة للحاضر السعودي متصورين أن أولئك العاملين لازالت لهم نفس القيمة إلى درجة عدم إمكانية الاستغناء عنهم! هل تستطيع مصر إرجاع كافة المساعدات المادية التي تلقتها من السعودية سابقا؟ الجواب هو: في ظل الظروف الاقتصادية المصرية الراهنة "لا"، هل تستطيع إرجاع المليارات التي تم دفعها مقابل "تيران وصنافير"؟ الجواب: "لا"، سؤال أخير: لو تم دفع مليار لكل مواطن مصري مقابل أن يترك مصر، ويتخلى عن الجنسية المصرية، ويأتي للإقامة في السعودية مقابل أن تأخذ السعودية مصر كلها وتسجلها باسمها هل سيرفض كل المصريين ذلك أم سيقبله أكثرهم ويرفضه أقلّهم؟ أترك الجواب لكم، هذا الجواب الذي تعرفه الحكومة السعودية جيدًا من خلال خبرتها بتجارب سابقة مع المصريين، لذا يبدو لكم أن إعلامها "غير مهتم".. مصر كانت بحاجة إلى دعم مالي، والسعودية سئمت من دفع الأموال دون مقابل، وكان لا بد من اتفاقية تحل المشكلة، وهكذا كان ما كان.. بالتأكيد هناك شريحة نادرة من الأصدقاء المصريين المثقفين الذين يملكون كرامة أصيلة، وهم على استعداد للموت دون التفريط بشبر واحد من أرض مصر، لكن ما أثر هؤلاء مقارنة بالأكثرية الساحقة التي تريد أن "تعيش" والسلام؟
كل ما قلته يقع تحت عنوان: "ما يُعرف لدينا ولا يُقال" حفظا للعلاقات الإنسانية والأخوية بين البلدين، ولا يسعني إلا الاعتذار عن مضمون مقالي الذي قد يعتبره البعض جارحًا، بينما سيرى فيه الصرحاء مع ذواتهم زاوية من زوايا الصدق التي يتهرّب من سماعها الأكثرون.