دولا أندراوس تكتب: حفظ اللسان
صديقنا عزت له قصة طريفة نضحك معه كلما تذكرناها.. فقد حدث أن خرج من العمل في حركة الهبوط الإقتصادي الأخيرة. ونظراً لظروفه الصعبة حيث أنه أب لثلاث فتيات أكبرهن في الجامعة فقد ظل يبحث عن عمل بكل ما أوتي من عزيمة. كان يسأل عن وظيفة في كل مناسبة يحضرها، ويرسل مئات السير الذاتية عبر الانترنت كل يوم، وإذا إلتقى بأحدنا في أي مكان بادره بالسؤال –قبل حتي أن يحييه- عما إذا كان قد سمع عن فرصة عمل متاحة في مجال تخصصه. ورغم ذلك فقد كان نادراً ما يتلقى ردوداً على مراسلاته حتى كاد المسكين أن يجن وييأس. ولكن فجأة وبعد معاناة طويلة أشرقت بارقة أمل حين عاد إلى منزله ذات يوم بعد رحلة بحث خائبة ليجد مفاجأة سعيدة بانتظاره.. فعلى التليفون رسالة مسجلة من إحدى الشركات الكبرى تطلبه لإجراء مقابلة.
قرر عزت ألا يدع الفرصة تفلت من يديه فهذه المقابلة قد تكون الوحيدة وهو مصر على الحصول على عمل بأية وسيلة. ذهب إلى المكتبة واستعار كتباً تساعده على التحضير للمقابلة وقام بحفظ كل الاسئلة والإجابات التي تُسألعادةً في تلك المقابلات. وفي الليلة السابقة للموعد قام بتزويد السيارة بالوقود، وجهز البدلة، ولمع الحذاء، وكوى القميص، وضبط المنبه كما أعد ملفاً يحوي عدة نسخ من سيرته الذاتية وشهادات الخبرة. كان موعده في العاشرة وكان مقرراً أن يقوم بتوصيل ابنتيه للمدرسة باكراً ثم يذهب لموعده بعد ذلك وهذا بالفعل ما حدث. البنات وصلت في موعدها وانطلق هو في طريقه إلي المقابلة. كان كل شيء يسير علي ما يرام إلى أن حدث ما راعه وبدد سلامه٬ فقد مد يده بجواره ليتحسس الملف الذي أعده فإذا بيده تقبض على الهواء. يا نهار اسود.. لقد نسى الملف في البيت. ما العمل الآن؟ لا يوجد من حل سوي العودة إلي البيت لجلبه.. لازال في الوقت متسعاً ولكن لابد من الإسراع ..هكذا أسرع عزت في طريقه قائماً بكل المحاورات والمداورات التي يقوم بها الشباب المراهق حديث القيادة.. السرعة الجنونية والقفز بين الحارات واستخدام الكلاكس بمناسبة وبدون مناسبة.. وفي غمرة انفعاله كان يطلق السباب أيضاً على كل من تسول له نفسه تعطيله. وبينما هو على هذا الحال مرت أمامه سيارة تسير ببطء شديد ولم يستطع اجتيازها لأن الطريق كان ذي حارة واحدة ظل عزت يضرب كلاكسات ويشير للمرأة قائدة السيارة ان تسرع ولكنها لم تعبأ بانفعاله وظلت تسير بنفس سرعتها. جن جنونه.. المرأة المتخلفة لا تدري أهمية الموعد الذي يريد اللحاق به. يا للقدر الأحمق الذي وضعها في طريقه في تلك الساعة.. تباً للنساء وقيادة النساء. مر الوقت حثيثاً قاتلاً حتى إستطاع أخيراً اجتيازها. لكنه لم يستطع أن يكبت غيظه ففتح النافذة وصرخ في وجهها: "صينية غبية!!" ثم عبر عنها وقد هدأ بعض الشيء إذ إستطاع أن ينفس عن غضبه و"يفش غله".
ومما زاد من شعوره بالإرتياح هو أنه في الموعد بالضبط وفي تمام العاشرة كان يقف أمام موظفة الإستقبال بالشركة. معجزة بكافة المقاييس. الفضل يرجع لمهارته في القيادة وحسن تصرفه في المواقف الصعبة!!! دعته المرأة للجلوس حتي تستدعي ممتحنه.. وإن هي إلا لحظات حتي أقبلت عليه إمرأة حالما نظر إليها إسودت الدنيا في عينيه إذ عرف فيها المرأة الصينية الغبية! الطريف في الأمر أنه حصل علي الوظيفة٬ غير أنه إلي يومنا هذا لايدري إذا كانت المرأة قد تعرفت عليه أم لا..ولكنه قرر من يومها أن يحتفظ بلسانه مطبقاً عليه داخل فمه مهما كانت الظروف!