عبد المسيح يوسف يكتب: جدلية إعادة اختراع العجلة.. ماذا استفاد الوطن من الاستثمار في الأجيال القادمة؟
حالة من الجدل الواسع بسبب الفراغ بين الكثيرين، تؤدي دائما لطرح أسئلة متكررة حول قضايا منتهية، فمع حلول ذكري ثورة 23 يوليو 1952، يطرح البعض تساؤل: أيهما كان الأفضل لمصر: الاستمرار في ظل الملكية، أم الانتقال إلى حكم جمهوري مغاير؟ أجد نفس الإجابات المتكررة. ولكنني في منتصف طريق القراءة أجد نفسي متوفقا، بسبب ترشيد الوقت وعدم إضاعته.
لماذا بدلا من إضاعة الوقت في تكرار نفس السؤال كل عام حول الملكية والجمهورية، وماذا قدم الرئيس عبد الناصر لمصر؟ نعيد إعادة صياغة الأسئلة، فيما يتعلق بماذا قدم المصريون لمصر، وأقصد بالمصريين هنا الأيدي العاملة؟ وما مدى التقدم الذي حققوه، والمهارات التي اكتسبوها لمسايرة التقدم الاقتصادي العالمي، هل تم الاستثمار في الأجيال القادمة المصرية، وهل تم الاستفادة بها فعليا لدفع عجلة الاقتصاد الوطني؟ أم أن هناك برامج فعلية لتأهيل القوى العاملة المصرية، لكن استفادة الاقتصاد الوطني منها قوية أو ضعيفة ... ولماذا؟
لماذا ندفن رؤوسنا دائما في تاريخ الماضي، نعد الماضي هو أساس الحاضر والمستقبل. ولكننا في حاجة لمشاركة المواطن الإيجابي في بناء الاقتصادي الوطني، وتفعيل الإدارة الرشيدة، خاصة وأن تحقيق معدلات متقدمة من النمو الاقتصادي، ستقود حتما، لتطور سياسي إيجابي. متى نهتم بأن تكون علاقتنا بالمحروسة مصر علاقة عطاء متبادل على مستوى التفاعل والبناء، بعيدا عن الأسئلة المكررة الخاصة بإعادة إنتاج العجلة!!
الإجابة على هذا السؤال تكمن في مناقشة عدد من المعايير، منها: مستوى أداء الاقتصاد الوطني، ومدى تطور النظام السياسي، مستوى النضج والرقي الثقافي، وتأثير كل هذا على سلوكيات الناس، ووضع الدين في المجتمع وعلاقته بأهل السياسة والإعلام، وغيرها من المعايير.
فهناك نظم جمهورية أفضل كثيرا من ملكيات، والعكس صحيح. هذا السؤال من الأسئلة المضيعة للوقت، لكن المشكلة تكمن دائما في مستوى جودة الإدارة. فإذا كنت تعيش في نظاما ملكيا، والإدارة فاسدة، فستسب وتلعن كل شيء. والعكس صحيح لو كنت تعيش في جمهورية تتمتع الإدارة فيها بالإنجاز والمحاسبية والشفافية، فكنت ستشعر بملامح مجتمع الرفاهية.
أنظر للدراسات الكثيرة، التي أجريت عن بعض مجتمعات العالم النامي، الملكية منها والجمهورية، حيث يتم توظيف الدين والإتجار به لتبرير فساد الإدارة في بعض هذه المجتمعات، ستجد أن الموظف المرتشي، سيوقف العمل عدة مرات، من أجل الصلاة، أو الحرامي يدعو الله أن يستره في فعلته هذه ... وغيرها من الموقف.
ولا يعني هذا بالضرورة أن بعض مجتمعات الغرب، الإدارة فيها مطلقة الشفافية والإنجاز. هناك حالات فساد، وترهل للإدارة، بسبب الرشاوي والمصالح الشخصية، التي تقف وراءها.
هذا ويذكر التاريخ السياسي الأفريقي، ان الفساد كان في بعض الدول عضويا، لدرجة أنه كان سلوكيا يوميا، تتم ممارسته في العلن على مختلف المستويات، بل ومن الغريب أن توضع له قواعد. فعلي سبيل المثال في مرحلة ما كان موبوتوسيسي سيكو رئيس جمهورية الكونغو الدمقراطية من 1965 إلى 1997 (غير اسم الدولة إلى زائير في 1971 حتى 1997)، الذي حكم البلاد 37 عاما بقبضة حديدية، كان يقول لشعبه، أنا لا أنهيكم عن السرقة، ولكنني أنهيكم عن أن تخرجوا ما تسرقوه خارج البلاد. وزائير معروفة بثرائها الكبير بسبب ثرواتها الطبيعية الضخمة.
أما النموذج الثاني، وهو نموذج مختلف في رواندا، التي خرجت من حرب أهلية راح ضحيتها الملايين، بسبب المجازر بين قبائل الهوتو والتوتسي. إلا أن انتهاء الحرب الأهلية، وقدوم إدارة وطنية، ساعد رواندا على أن تسجل أكبر نمو اقتصادي عالميا منذ 2005. ويعود السبب في هذا النجاح إلى القوى العاملة الرواندية والاستثمار في الأجيال القادمة، التي زادت إنتاجيتها، والإدارة الرشيدة، بحسب تقارير منظمة دول تجمع السوق الأفريقية المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا)، فدولة رواندا تعتبر الآن واحدة من الدول الأفريقية الرائدة في مجال النمو الاقتصادي.