زينب علي البحراني تكتب: عندما يكون العقل صخرة
التطور الفكري للإنسان له مراحل، مثل الصعود على درجات سُلم، هناك أشخاص مازالوا يراوِحون مكانهم دون أن يُكلفوا أنفسهم عناء ارتقاء الدرجة الأولى، وهناك الذين من لم يتجاوزوا تلك الدرجة راضين بمكانهم بعد أن صعدوها، وهناك من تمكنوا من تجاوز عشرات، مئات، آلاف الدرجات التي قرَّبتهم أكثر من سماء الوعي.
لكل بضع درجات لغتها الخاصة التي لا يستطيع من لم يصلوا إليها فك شفرة أبجديتها، وكونك "عاجز عن فهم" لغة الذين بلغوا الدرجة المائة وأنت على الدرجة العاشرة لا يعني أن لُغتهم "خاطئة"، ولا يعني أن لغتك هي "الصحيحة" بل يعني أن أمامك رحلة لاكتشاف تلك اللغة الجديدة كي تتمكن من الصعود معها إلى درجاتٍ أعلى. تُريد أن تُهاجر إلى بلدٍ أجنبي يمتاز بقوةٍ عُظمى على أمل الحصول على إقامةٍ دائمةٍ أو جواز سفرٍ ذو مميزات راقية؟ يجب أن تتعلم اللغة الرسمية التي يتحدث بها سُكان ذاك البلد، كذلك إذا أردت الارتقاء نحو طبقة أكثر وعيًا وثقافة، يجب أن تجتهد في توسيع مداركك وتحرير عقلك من قيوده الوهمية: قيود التلقين الأسري، قيود التلقين المدرسي، وقيود البرمجة المُجتمعية.. ليس كل ما قاله أبويك صحيحًا، وليس كل ما قرأته على صفحات المنهاج المدرسي صحيحًا، وليس كل ما كرره المُجتمع صحيحًا، وليس كل ما ذكره أي رجل دين على مسامعك صحيحًا، يجب أن تغسل حجرات عقلك وتطهرها بعناية لتبدأ تأثيثها بأفكار ومعتقدات جديدة تبدأ من نُقطة مُحايدة، ومن نقطة عدم الانحياز تلك تنمو وجهات نظرٍ قد يتفق بعضها مع ما تم غرسه في وعيك خلال مرحلة الطفولة والمراهقة، وبعضها قد لا يتفق، وبعضها الآخر قد يرفضه بشده ويختار استبداله بنقيضه.
في عصر العولمة والثورة التقنية التي وهبتنا فرصة التواصل الفكري والمعرفي مع مختلف أقطار الكرة الأرضية دون حدود أو قيود كبيرة؛ لم يعُد ثمة عذر للذين يُصرون على التشبث بآراء تضرهم وتضر غيرهم وتؤدي إلى تجميد المُجتمعات وتسميمها إلا التخلف والكسل! فالكتب غدت سهلة المنال، والمقالات الرزينة الناضجة متاحة للمطالعة، والنقاشات الفكرية والمعرفية المصورة والمسجلة يمكن الوصول لها بنقرة إصبع، ومواقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني ساحاتٍ غير محدودة للجدل وتبادل الآراء، لكن بعضهم ينتظرون دائمًا أن يعتنق المجتمع المحيط بهم كله فكرة معينة كي يصدقوها ويؤمنوا بها، أو أن تُفرض عليهم كقانٍ إجباري من الدولة كي ينصاعوا له، هؤلاء يستحقون وصف "مُتخلفين" لأنهم في ذيل قائمة الواصلين بعد أن يسبقهم الشجعان وذوي الفكر الحُر الجريء.
هؤلاء "المُتخلفون" يرون في كل رؤية مختلفة أو فكرٍ مُغاير تهديدًا لوجودهم، لذا يستعينون بـ "كثرتهم" لتخويف الأقلية المُتقدمة الواعية وإرهابها بأصواتهم العالية بدلاً من محاولة تطوير عقولهم والارتقاء بها شيئًا فشيئًا ليكونوا من المتقدمين، لأن الغوص في مُحيطات المعرفة وتنشيط الفكر يتطلب مجهودًا عقليًا مميزًا لا يملكه هؤلاء، وإذا كُنت لا تريد أن تغرق معهم؛ فانجُ بنفسِك في سفينة الذين يحافظون على شباب عقولهم وعنفوانها باستمرارية الشك والسؤال.