دولا أندراوس تكتب: ليس بالكاريزما وحدها تُبني الأوطان
الكاريزما والنوايا الحسنة (على افتراض وجودها) ليست مقومات كافية لصناعة الأوطان، وشخصيا لا أستطيع أن أغفر للزعيم المفدى أخطاءه المهولة التي كبدت مصر خسائر مادية وبشرية فادحة مازلنا جميعا نعاني آثارها حتي اليوم. ومهما قيل لي في نزاهته ووطنيته وكراهيته للاخوان، لا أستطيع أن أتغاضى عن أنه -هو نفسه- كان نبتة اخوانية في تنظيم الضباط الأحرار (الاخواني أساساً)، وأنه استخدمهم (كما فعل مع محمد نجيب) للوصول إلى الحكم ثم انقلب عليهم عندما بدت له أطماعهم (تماما كما فعل الاخوان الذين قدموا أنفسهم في البداية في صورة جماعة دينية دعوية ثم أخذوا بعد ذلك يحاولون فرض الوصاية على قرارات مجلس قيادة الثورة)، ومن ثم قرر القضاء عليهم عندما شعر بخطورتهم على مشروع حكمه الشمولي وتهديدهم لحلم الامبراطورية التي كان يريد تأسيسها. وفي يقيني أن علاقته المعقدة المتشابكة مع الاخوان المسلمين، ثم سياسة خليفتيه السادات ومبارك ازاءهم فيما بعد (على اختلافها مع سياسته) هي ما أتاح لهذه الجماعة بالذات الفرصة والأرضية المناسبة للتمدد بهذا الشكل الذي نراه ونلمسه اليوم في البنية السياسية والمجتمعية للدولة المصرية.
لقد قضى جمال عبد الناصر على الحياة الحزبية وأضعف سلطة المؤسسات السياسية مرسخا لحكم الصوت الواحد. في عهده أممت الصحافة وأقيمت مراكز القوى وانشيء الاتحاد الاشتراكي وتكونت ميليشيات زوار الفجر وفتحت المعتقلات التي شهدت حالات لا تعد ولا تحصى من التعذيب والقهر والتجسس. وكنتيجة لقراراته العسكرية والسياسية الرعناء خاضت مصر حروبا خاسرة تكبدت على اثرها قدرا هائلا من الخسارات البشرية والمادية والمعنوية كما تدهورت علاقاتها عربيا ودوليا.
هذا بالاضافة إلى الطريقة السياسية الفاشلة التي أدار بها الاقتصاد المصري والتي أدت إلى حرمان الاقتصاد من تراكم رأس المال الوطني اللازم للتوسع الاستثماري حتى أننا نستطيع القول بأن مصر اتخذت في عهده أولى الخطوات التي قادتها نحو الانحدار والهدر والخراب.
أقول هذا للإفاقة من سطوة الايديولوچية وتقديس الرموز وأتمنى أن يعودنا كل يوليو ونحن منخرطون في معركة تنوير وتغيير متواصلة ضد اليقينيات الرجعية التي تشدنا إلى الوراء.