عبد المسيح يوسف يكتب: بعد إنتهاء الأنتخابات الكندية..الوجه الخفي للديمقراطية الغربية
أفرزت نتيجة الانتخابات الكندية عن فوز الليبراليين بحكومة أقلية، على الرغم من فوز المحافظين بأغلبية الأصوات، حوالي مليون صوت فاز بها المحافظون أكثر من حزب ترودو، الذي نجح في اقتناص غالبية مقاعد أقاليم الاطلسي قليلة السكان وكثيرة المقاعد، وهو ما يطرح ضرورة إعادة النظر في النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر الانتخابية، فضلا عن محاسبة القيادات المحافظة، التي بسبب الأداء المتردي أصرت بالحزب، مثل رئيس وزراء أونتاريو دوج فورد.
الحزب الديمقراطي الجديد فاز بعدد اقل بكثير من انتخابات ٢٠١٥، لكنه يطرح نفسه شريكا للحزب الليبرالي لتشكيل حكومة أقلية ائتلافية. وكانت المفاجأة الحقيقية في فوز الكتلة الكيبيكية بحوالي ٣٦ مقعدا، وهو أكثر من ٣ امثال ما فاز به عام ٢٠١٥. في محاولة لفهم الوجه الخفي لهذه الديمقراطية نستعرض الجوانب التالية.
بالطبع لا وجه للمقارنة بين النظم السياسية في المجتمعات الغربية، وبقية الدولة، مع الآخذ في الاعتبار، حالات استثنائية مثل الهند نظرا لخصوصية النظام السياسي لها. واستبعاد المقارنة هنا ليس للتقليل من شأن بقية النظم السياسية، وإنما للتركيز على حالة الديمقراطية في المجتمعات الغربية.
بالفعل النظم السياسية في المجتمعات الغربية قد عايشت عن قرب كل من التجربتين الفرنسية والكندية، حيث عشت وعملت لسنوات في المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي CNRS، ومنذ سنوات استقر بي الحال في أمريكا الشمالية (كندا)، وعلى الرغم من أن كلا من فرنسا وكندا ينتمي للعالم الغربي، إلا أن الفروق بينهما كنظم سياسية ليبرالية وديمقراطية كبيرة وواضحة. وهذا ما يؤكد حتى خصوصية الديمقراطية في المجتمعات الغربية.
الميزة الأساسية الحامية للنظام الديمقراطي، ليس في الشعب، كان للشعب دورا مهما منذ عقود عندما قامت الثورات في فرنسا، أو الحروب في دولة مثل كندا، وتشكلت الولايات المتحدة والأقاليم الثلاثة عشرة، التي تمردت على التاج البريطاني، حيث فضل الآباء المؤسسين في كندا للأقاليم المختلفة، التي استمرت تدين بالولاء للتاج البريطاني في تدشين أصول الديمقراطية.
بعيدا عن الملامح البارزة للديمقراطية، من تصويت وانتخابات، وشفافية ومحاسبية، وقوة القانون، و ... الخ، فإن المتابع للديمقراطية الغربية، يجد أن الحامي حاليا للنظام الديمقراطي، هو النظام، بمعني مجموعة القواعد الدستورية والقانونية، التي تم ارساؤها منذ مئات السنين، لتحمي هذا استمرارية هذا النظام السياسي، في صورته السياسية الليبرالية الديمقراطية. مع مراعاة أن هذا النظام السياسي، يعتمد على نمو اقتصادي، تقريبا مستقر، إن لم متواصل النمو. والديمقراطية بدون هذا التنمية، لم يكن لتستمر.
فالمتابع والمقيم في المجتمعات الغربية، يجد أن المواطن الغربي، سواء كان فرنسيا أو كنديا، يعي جيدا فكرة الحقوق والواجبات، أكثر من تمتعه بمستويات عالية من الثقافة العامة، التي ربما تعلو مستوياتها في أوساط معينة في المجتمعات الشرقية. ويأتي هذا من أن فكرة النمو الاقتصادي ومجتمع الرفاهية يعتمد على مستويات تعليمية مهنية وحرفية، أكثر من كونها مؤهلات أكاديمية جامعية نظرية، لا تقدم أو تؤخر في سياق التنمية، ومن ثم لا تمثل أي دعم للعملية السياسية الليبرالية.
المتابع للمجتمعات الشرق أوسطية العربية، يجد اهتمام شبه طبقي الحصول علي المؤهلات الجامعية، بسبب النظرة الدونية للمؤهلات المتوسطة فوق المتوسطة الحرفية والمهنية. في حين أن الديمقراطيات الغربية، ومنها فرنسا وكندا، وغيرها، تعلي من شأن هذه النوعية من المؤهلات لأنها تمثل العماد الحقيقي للتنمية الاقتصادية، واستمرارية حماية النظام الديمقراطي، الذي قامت به الثورة الفرنسية، أو دشنه الآباء الأوائل المؤسسية للفيدرالية الكندية.
من الرائع أن تأخذ بعض المجتمعات الشرقية، القدوة من الغرب في النظام السياسي، ولكنها يجب أن توفر مقومات هذه الديمقراطية، التي تحتاج للحماية سواء من قبل نظام دستوري وقانوني محايد يعمل لمصلحة الشعب من ناحية، ولإعادة النظر في النظام التعليمي، ليحقق متطلبات التنمية الاقتصادية، مع تغيير النظرة المجتمعات للشهادات والمؤهلات، خاصة وأن الملايين من ذوي المؤهلات الجامعية في الدول الشرقية يعانون من البطالة. في حين أن الملايين من حملة المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة في الدول الغربية، ومنها كندا يعملون بالساعة بمعدلات تتراوح ما بين 14 إلى 23 دولارا في الساعة، مع مراعاة أن معدل البطالة في كندا وإقليم مثل الكيبيك لا يتجاوز 5.5%. في حين أن معدلات البطالة في الدول الشرقية تتجاوز 12% وأحيانا 15% من القوة العاملة.
مونتريال: عبد المسيح يوسف -عضو نقابة الصحفيين المصريين