مينا ماهر يكتب: دردشة...بالعربي الفصيح ” مصر ...في لوحة”
بقلم: مينا ماهر
هذه اللوحة الفرعونية ليست بلوحة أثرية يعاد ترميمها...ولا هي أيضاً صورة في المتحف المصري! بل هي لوحة زيتية جدارية مرسومة على حائط رواق صغير، يقع في الطابق السفلي من مبنى سكن طلاب جامعة "سانت ماري" بمدينة هاليفاكس، مقاطعة نوڤاسكوشا الكندية! أراها كل شهر مرة واحدة وانا في طريقي إلى محل حلاقتي المفضل منذ أيام الدراسة! هذه اللوحة البسيطة قد لا توحي لك بأي شيء على الإطلاق، لكنها تخفي في باطنها حكاية قد تثير اهتمامك! هل تعرف ما القصة وراء هذه الصورة الفرعونية؟
هذه اللوحة قد يتجاوز عمرها العشرين عام! أنا لا زلت أتذكر تلك البقعة من الجدار عندما كانت خالية تماماً...قبل أن يقوم برسمها شباب مصريون آنذاك كأعضاء في جمعية جامعية للطلاب المصريين اسمها الحركي SMUESA.
بدأت فكرة اللوحة عندما اكتشفنا وقتها ان الجامعة تقوم باستثمار جهود الطلبة في تزيين جدران هذا الرواق وبناءً عليه فهي تقوم بتوزيع أقسام منه مجاناً لمن يطلب من الطلبة لطلائه كما يحلو لهم! وعنها قام أعضاء جمعية SMUESA بحجز قطعتهم من الجدار ليضعوا عليه بصمتهم! نعم... فهي ليست اللوحة الوحيدة التي تحتفي بها جدران الرواق... فهو أيضاً مليء بلوحات أخرى عديدة تخص اشخاص ومجموعات عدة.
المحزن في الموضوع ... ان لوحتنا الفرعونية المصرية هي اللوحة الوحيدة التي -وبدون مبالغة - لم تكتمل! لا أدري ان كنت قد لاحظت ذٰلك عزيزي القاريء، لكن عد وتأمل الصورة مرة أخرى ولاحظ البقع البيضاء المنتشرة وسط اللوحة. تلك البقع ما هي إلا أجزاء لم يكتمل تلوينها...ولا تزال محددة بأقلام الرصاص! هذه اللوحة يا حضرات قد سبقتها وتلتها لوحات شتى على جدران الرواق...لكن الجدارية المصرية – للأسف-هي (الوحيدة) التي لم ولن تكتمل!
انا لا أذكر لماذا لم يكملها الشباب وقتها... لربما كان لخلافٍ ما او تراخٍ او لا مبالاة، أو أو أو...الخ. المهم في القضية انها لوحة لم تنتهِ ليومنا هذا! ... بقت بعد عشرين عامٍ وستبقى وصمة على حائط الرواق... تختزل بعدم كمالها من جماله الناتج من اللوحات الرائعة الأخرى!
هذه اللوحة – في رأيي- مثال حي مصغر للعزيمة المصرية البائدة... وإشارة واضحة للتأخر الملموس بيننا وبين باقي دول العالم! فقد سبقتنا يا سادة اليوم بمراحل شعوب كانت متخلفة عنا أعواماً في الماضي! صرنا كمثل الأرنب الذي تباهى بإمكانياته، فتوانى ونام -متعمداً مع سبق الإصرار – في ذروة سباقه مع السلحفاة، ظناً منه أنه الأفضل! فأصبح في المنزلة الأخيرة! هذا الأرنب لم يخجل للحظة ان يراه الجماهير غافياً فحصد الخسارة والخزي والعار في النهاية...هذه اللوحة تحكي هذه القصة عينها حينما يراها الناس ناقصة وسط حشد من الجداريات المبدعة الأخرى!
عزيزي القاريء...قد تظنني مبالغاً او متحاملاً بضع الشيء...لكني فعلاً أتساءل... أين كانت عقول الشباب حينما قرروا عدم استكمال اللوحة، عالمين انه سيأتي يوم يتباهى فيه هذا الحائط بلوحات أخرى أكثر جمالاً وكمالاً! بل وسيمر به أناس من مختلف الأجيال والمراكز!
هل يا ترى كان للكيان الصهيوني شأن في توقف العمل على اللوحة المصرية...هل اميركا بسلطانها قد أمرت بعدم اكمالها؟ كلا...
بل هذه اللوحة البسيطة تتحدث بكل صدق عن واقعنا غير الطموح دون اي رتوش...عن مشروع جميل باء بالفشل بسبب لامبالاتنا واستهتارنا، بعيداً كل البعد عن كل نظريات المؤامرة التي نتخذها دائماً شماعة لتعليق أخطائنا عليها.
وها انا أمر على تلك الجدارية كل شهر متأثراً ومنكسراً كمن يزور قبراً لشخص عزيز عليه