عبد المسيح يوسف يكتب: الذعر يجتاح كندا والعالم وشركات الأدوية ”نايمة في العسل الأسود
الرعب يجتاح للعالم منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا يعتبر وباء عالميا. غالبية دول العالم إن لم يكن كلها قد اتخذت إجراءات سريعة في محاولة مواجهة هذا الفيروس اللعين، الذي أصاب عشرات الآلاف على الكرة الأرضية، انطلاقا من الصين التي غزت العالم تجاريا وفيروسيا!
ورغم مرور أكثر من 4 شهور على ظهور الفيروس في ديسمبر الماضي، إلا أن هناك حالة من الغموض تسيطر على موقف الحكومات وشركات الأدوية العابرة للجنسيات، والتي تعد تقف في موقف محير تجاه أي محاولة لمعالجة المرض، وتخصيص ميزانيات للبحث عن علاج له.
أونتاريو والكيبيك وإصابة صوفي جيرجوار
مؤخرا، كندا بعد إصابة صوفي جيرجوار ترودو زوجة رئيس الوزراء جوستان ترودو بفيروس كورونا بعد عودتها من إنجلترا، وقيام رئيس الوزراء الكندي بوضع نفسه في الحجر الصحي المنزلي حماية للمحيطين به، على الرغم من عدم إصابته حتى الآن، إلا أنه وفجأة كندا، التي كانت تتعامل مع الفيروس بكل أريحية وأن الوضع تحت السيطرة، ولا يمثل تهديدا للأمن القومي للمجتمع الكندي، والسلطات الصحية تقوم بدورها علي كامل وجه.
انقلب الأمر رأسا على عقب، بعد أن عقد رئيس وزراء إقليم الكيبيك فرانسوا لوجو مؤتمرا صحفيا كبيرا، تابعته تقريبا كل كندا، وكان مؤتمر لوجو بعد أن أصيب إقليم أونتاريو بأكبر عدد من الإصابات تجاوز 59 حالة، ولم تعرف الكيبيك الإصابة إلا عبر 14 حالة، كلها جاء من كيبيكين جاءوا من السفر خارج كندا. وكانت حكومة لوجو سريعة في اتخاذ إجراءات حاسمة، منها: غلق المدارس والمؤسسات التعليمية لمدة أسبوعين، ومن التجمعات في الأماكن العامة ومنشآت الأنشطة المختلفة لأكثر من 250 شخصا، وتحمل الحكومة الكيبيكية لمرتبات كل من يعمل في مجال المدارس والحضانات، إلا أنها مازالت تبحث عن خطة بديلة للتعامل مع القطاع الخاص، حال لو كانت هناك ضرورة للمكوث في المنزل لمدة أسبوعين، وهي الفترة اللازمة للتأكد من حضانة الشخص للفيروس من عدمه.
ذعر في الكيبيك والإعلام يفشل في نصف المهمة
المشكلة أن وسائل الإعلام الكيبيكية أحسنت في توصيل رسالة رئيس الوزراء الكيبيكي لأكثر من 8 ملايين في الإقليم، لكنها كانت قصيرة النظر في تقديم النصائح لسكان الإقليم، الذي توافدوا بالملايين عقب المؤتمر الصحفي لفرانسوا لوجو على محلات السوبر ماركت العملاقة، وقاموا بشراء وتخزين كميات عملاقة من الأغذية، تحسبا لأي انتشار أوسع للفيروس.
وعلى الرغم من نصائح وسائل الإعلام بعدها في الإقليم للسكان بالهدوء وعدم الانزعاج أو الخوف، لأن الكيبيك وكندا بها كميات وفيرة من الأغذية على مختلف أنواعها، وأن الأمر لا يتطلب كل هذا الذعر، في ظل تأكيدات مسؤولي اتحادات التجارة في الإقليم أن المنتجات الغذائية متوفرة بكميات ضخمة، ولا داعي للذعر، وعلى المواطنين أن يعطوا الفرصة للعاملين في محلات السوبر ماركت الكبيرة مثل وول مارت وسوبر سي وماكسي وإي جي أه ومترو وغيرها، للقيام برص المنتجات الغذائية على الأرفف، لكن الذعر كان قد أصاب الملايين.
عزلة الحكومات ومراكز الأبحاث
المثير للتساؤل، أن ما قامت به حكومة الكيبيك لا يختلف عما قامت به حكومات دول وأقاليم عديدة في كندا وأمريكا وأوروبا، لكن المواطن البسيط يجب أن يتساءل أين دور شركات الأدوية العابرة للجنسيات، وكذلك مراكز البحوث الوطنية المتخصصة في مجال مكافحة الفيروسات والأمراض المعدية، والتي ينفق عليها الملايين وأحيانا المليارات.
غموض كبير يحيط بالتعاون بين مراكز الأبحاث الغربية في أمريكا الشمالية وأوروبا من ناحية ونظيرتها الصينية من ناحية ثانية، باعتبار أن الاخيرة موطن الفيروس، وكانت نقطة انطلاقة للعالم، والتعاون بين الجانبين يمكن أن يترتب عليه نتائج إيجابية وسريعة. ولكن غير المفهوم أن العالم يعزل الصين بعد انطلاق الفيروس منها، وقد يكون ذلك مفهوما على مستوى التواصل السياحي الفردي، لكن على مستوى الحكومات والتعاون البحثي فهذا أمر مثير للجدل ويحتاج لتفسيرات من الجانب الصيني والغربي.
اتهامات صينية أميركية بإطلاق شرارة الفيروس!
مؤخرا الصين، في بادرة غريبة، تعلن وزارة خارجيتها عن اتهام الولايات المتحدة الأميركية بأنها من أطلقت عبر الجيش الأميركي الفيروس في مدينة ووهان الصينية، وأمريكا تستدعي السفير الصيني في واشنطن للاعتراض وطلب تفسيرات لهذا التصريح الرسمي. فبدلا من أن تتعاون الصين وأمريكا مع بقية العالم لمواجهة الفيروس القاتل، تتبادلان الاتهامات، في الوقت الذي تتزايد فيه الإصابات بالفيروس في العديد من الولايات الأميركية.
شركات الأدوية "عاملة نفسها من بنها"
على الجانب الآخر، شركات الأدوية في سويسرا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول نجدها "لا حس ولا خبر"، كما لو كان هذا الوباء العالمي لا يعنيها، على الرغم من أن الدواء الذي سيتم التوصل إليه، سيحقق مليارات الدولارات من الأرباح. حالة من الغموض وعدم الشفافية تحيط بالموضوع، ومنظمة الصحة العالمية، شأنها شأن بقية منظمات النظام العالمي الدولي، عبارة عن هياكل للتصريحات، لا تملك القرار، الذي يأتي دائما من الدول الفاعلة في النظام الدولي، وتقدمه المنظمة الدولية على أنها يعبر عن المجتمع العالمي، وحتى الآن لم تتفق القوى الدولية مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا والصين وكندا واليابان على قرار موحد بشأن مواجهة الفيروس، كلها جهود فردية غير مفهومة وغير معروف مدى تطورها.
هناك تجارب أولية في إقليم ساسكاتشوان الكندي تتم على علاج أولي لفيروس كورونا، ولا يختلف الحال عن التجارب الأولية لعلاج أخري يقال إنه يتم تجريبه في فرنسا لعلاج الفيروس، وهو نفس الحال بالنسبة للصين، لكن لا أحد يتحدث عن نتائج أكثر تطورا، أو ذات تأثير. أما الحالة المثيرة للغموض فهي إيطاليا، كيف تسرب الفيروس لكل هذه الاعداد في غفلة من السلطات الحكومية، من المسؤول عن حماية الصحة العامة في هذه المجتمعات؟
الحكومات والشركات والإنسان "الملاوع"
المؤكد أن عدم الشفافية والغموض يصيب بالغثيان، ليس في مجال السياسات العامة والصحة العامة فقط، بل وفي بقية المجالات، حتى المجال الخاص الإنساني، فالإنسان الغامض وغير الواضح، يصيبك بالغثيان، وعليك أن تغلق في وجهه الباب لتستريح من "ملوعته"، خاصة لو كنت إنسانا مباشرا، تحتاج لإجابات شافية ومقنعة، تجاه قضية محورية، مثل فيروس تحول لوباء، ولا يعرف أحد وكيف ومتي يجب القضاء على مثل هذه النوعية من الفيروسات، المهددة لسلام الإنسانية والبشرية؟
هل سنحصل على اجابة قريبا، هذا ما ستكشف عنه تطورات الاحداث، ندعو ونتمنى أن تتطور الأمور في الاتجاه الإيجابي، رحمة بالبشرية، وبالخطر المحيق بها، على أن تظهر حركة مجتمعية كونية إنسانية، من قلب المجتمع المدني، تدعو للتكاتف والتعاون لمواجهة هذا الفيروس، لأننا حتى اليوم لم نسمع عن أي رد فعل من المجتمع المدني، القادر على تحريك الحكومات وتصحيح مساراتها لو كانت مخطئة في عزلها للصين أو عدم تعاونها مع شركات الأدوية للبحث سريعا عن دواء لهذا الفيروس الكوني.