مينا ماهر يكتب: هل ”Covid - 19” شر من الله؟ (2)
بقلم: مينا ماهر
في المقال السابق قد ناقشنا العنوان المذكور أعلاه، واتفقنا أن الله لا يجلب الشر، بل يسمح به لحكمة ما؛ وذكرنا أيضا أننا قد ننسب لله كل ما يحدث حولنا من شرور وكوارث، لعجزنا أحيانا عن إستيعاب نص الكتاب المقدس في سياق أحداثه وأزمنته وثقافة القوة آنذاك، خاصة في العهد القديم! وقد تواعدنا أن نلتقي ثانية لشرح أكثر الأحداث ترويعا في الكتاب المقدس كالطوفان وسدوم وعمورة والضربات العشر وأريحا، آملين أن نفهم محبة الله ورحمته من خلالهم.
وها نحن الآن في صدد شرح حادثة الطوفان حينما قام الله بإفناء العالم بأكمله بطوفان ما عدا ثمانية أشخاص وهم نوح وعائلته! بالقطع هذا الوصف الوجيز يكفي بأن يزرع الخوف في قلوبنا! فكيف أن العالم بأجمعه قد أفني بيد الله!! وقد نتناسى أن العالم وقتها كان ربما لا يتعدى بضع الاف نسمة يعيشون في بقعة واحدة من الأرض كلها، وليس العالم الكبير بمفهومنا الآن!
"بغض النظر عن التعداد والمفهوم المغلوط، فهذا لا ينفي أن الله قد قضى على بشر أبرياء" هكذا يصور لنا عقلنا تلك القصة ونحن نسمع من حولنا اليوم ينادون بالإنسانية وحقوقها! وهنا لابد لنا أن نتوقف ونعود إلى النص الكتابي؛ فإن قرأنا تكوين ٦ و٧، سنرى أن الإنسان قد أصبح شريرا جدا وأن الأرض كلها قد امتلأت ظلما - أوعنفا كما في الترجمة الإنجليزية الحديثة للملك جيمس! يقول الكتاب أن الله قد ندم على خلقه للإنسان؛ أي أن الله قد حزن على أفعال الإنسان الشريرة، التي وأن ظلت بلا ضابط قد تؤدي به الى القضاء على نوعه، بما فيهم نوح أيضا! لكن الله أحب أعمال نوح ورأى إنه لمن الظلم أن يظل نوح في وسط تلك الفوضى! كان بإمكان الله بعظم مجده أن يحمي نوحا بأن يقتل كل من حوله من الاشرار بكلمة واحدة، لكن الله لا يتدخل بتلك الأساليب!
"وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ" (رومية ٨ : ٢٨). فالسر الإلهي البعيد عن أفهامنا أن الله قد يستخدم الطبيعة وما حولنا من أحداث وتغيرات لإتمام مشيئته؛ والطوفان وقتها ما كان إلا مجرد ظاهرة طبيعية بحتة، سمح بها الله واستخدمها لإكمال خطته، حتى وإن قال موسى في سفر التكوين أن الله هو الذي أتى بالطوفان! نعم، فالله قد أتى فعلا بالطوفان مجازا، لأنه سمح بحدوثه...تماما كما يسمح بالزلازل والبراكين والسونامي! لكن الله، بحكم علمه المستقبلي، علم بمجيء هذا الطوفان، وأراد أن يحذر نوحا من هذه الكارثة الطبيعية عالما أن البقية مصيرها للهلاك! ومع هذا قد أمر نوحا أن يبني الفلك الذي استغرق بناؤه قرب المائة عام، قاصدا أن يكون هذا الفلك أيضا سببا لنجاة هؤلاء الأشرار؛ فطيلة مدة بناء الفلك، كان نوح مبشرا بالله وكارزا للبر (٢ بطرس ٢:) لكن من الواضح أن كمية الشر التي أصابت الإنسان آنذاك قد أعمته عن قصد الله، فهلك!
فقصة الطوفان ما هي إلا قصة تحمل في طياتها محبة الله ورحمته وعدله؛ وبعيدا عن الشرح الكتابي، دعونا ان نتخيل اجتماعيا - بمفهوم الإنسانية اليوم - ما كان سيحدث أن لم يسمح الله بهذا الطوفان! كيف كان سينجو نوح من ظلم الأشرار من حوله، كيف سيكون مصير البشرية من بعد نوح، هذا إن لم تقض على ذاتها بنفسها! فإن كنا لنشاهد ما يحدث من السموات وقتها، ونرى عالما شريرا بأكمله، في وسطه تسكن عائلة مسكينة مسالمة - قد تكون ضحية له يوما ما- و نرى الله صامتا تماما، أوا لا نطلب تدخل الله لنجدة الأبرياء؟ أوا لا نعتبر صمت الله ظلما و سلبية؟! لكن الله قد تدخل بالفعل ليعلن محبته لنوح بتحذيره له، و ليظهر رحمته لمن حوله بتكريس نوح لتبشيرهم لمدة ١٠٠ عام أثناء بناء الفلك، و أخيرا ليثبت عدله الذي تم بإصرارهم التام على الشر و الهلاك!
أعزائي القراء...أتمنى أن أكون قد ساهمت و لو بقدر ضئيل لفهمنا لقصة الطوفان راجيا الله أن يفتح أعيننا جميعا لمعرفة عظم محبته و عمق حكمته، و تابعوني في العدد القادم حيث سنكمل شرح بقية الأحداث الأخرى... إلى أن نلتقي لكم مني أفضل تحية...