مينا ماهر يكتب: هل COVID-19 شر من الله؟ الجزء الثالث
بقلم: مينا ماهر
اجتاحت القوات العراقية حدود دولة الكويت في فجر ٢ اغسطس١٩٩٠، معلنة إياها مقاطعة عراقية؛ قام بعدها مجلس الأمن الدولي بشجب العدوان والمطالبة بانسحاب العراق! لم ترضخ العراق لقرارات مجلس الامن واستمرت في عنادها...بل واحتجزت مواطني السفارات الاجنبية كرهائن وتمادت في فرض قوانينها وقواها على دولة الكويت. فقتلت و أعدمت، واعتقلت، وفجرت، وأحرقت، ونددت...و توالت الانذارات والمفاوضات الدولية والحصار الاقتصادي من أجل إطلاق سراح الرهائن والانسحاب من الكويت بلا جدوى! بعدها قام مجلس الأمن بإمهال العراق مدة محدودة للانصياع لقرارات المجلس وإلا ستستخدم القوة العسكرية! وفعلاً تم تسليم كل الرهائن قرب نهاية المهلة ولكن لم تنسحب العراق من الأراضي الكويتية! فشنت ٣٤ دولة حرباً جوية على العراق إلى أن تم الانسحاب، وعادت الحرية للكويت في ٢٦ فبراير١٩٩١.
عزيزي القاريء... بعد هذه المقدمة التاريخية الوجيزة، ارجو منك ان تتناساها إلى حين حتى نعود اليها سوياً لاحقاً، لكن دعني الآن أن اراجع معك ما ناقشناه في العدد السابق للتذكرة؛ فقد شرحنا حادثة الطوفان واثبتنا من خلالها محبة ورحمة وعدل الله نحو البشرية آنذاك. واليوم سنشرح قصة سدوم وعمورة وهي من اكثر القصص المثيرة للجدل خاصة في أيامنا هذه، لارتباطها بشكل غير مباشر بظاهرة المثلية!
تبدأ القصة حينما يفصح الله لإبراهيم بما هو فاعله في سدوم و عمورة (تكوين ١٨ : ١٦) فيبدأ ابراهيم بحكم منزلته عند الله بالتفاوض من اجلهما! وهنا لابد لنا ان نعود الى ما سبق ان فهمناه عن الله في قصة نوح...وندرك ان الله لا يحتاج لتوسلات إبراهيم ليظهر عدله، ولكنه أراد لإبراهيم أن يختبر رحابة صدر الله بنفسه؛ فمن المؤكد أن الله كان يعرف بسابق علمه مصير تلك المدينة! بعد هذا يدخل الملاكان مدينة سدوم (تكوين ١٩)، فيستقبلهما لوط بمنتهى الرهبة ويلح على استضافتهما الى منزله. إلا أن المدينة (من صغيرها لكبيرها) قد انتابتها شهوة عارمة تجاه الملاكين، وارادوا بوحشية وإصرار أن يقتحموا منزل لوط طالبين مضاجعتهما! تذكر... أن هذين الملاكين هما نفسهما اللذان قام إبراهيم باستقبالهما مع الرب قبلاً بكل تبجيلٍ واتضاع أيضاً! فربما كانا يشعان قداسة ونورانية تكفيان لأن يخر امامهما المرء من شدة الرعدة! وبالتالي ان تترجم تلك الهيبة في انظار أهل مدينة سدوم الى شهوة دنسة، فهذا كفيلٌ بان يوضح كم الظلام الذي كانت تعاني منه تلك المدينة!
سأتوقف قليلاً عند هذه النقطة لتصليح بعض المفاهيم؛ فالكل يعتقد ان الله قد عاقب سدوم و عمورة بسبب قضية المثلية! غير صحيح، وإلا كان كل مثلي مستوجباً الموت بلا نقاش! فالمثلية في النص الكتابي كانت مجرد الخطيئة الوحيدة التي وثقت، إنما السبب الحقيقي لحزن الله عليهم لم يكن خطية بعينها، بل لأن خطاياهم قد بلغت بهم مرحلة ميؤوساً منها! أصبحوا كالحيوانات، بل كالوحوش الهائجة التي لا كاسر لها! والدليل انهم بدلاً من أن ينسكبوا انسحاقاً أمام ملاكي الرب، اشتعلوا بشهوتهم نحوهما، وبدلاً من أن يعدلوا عن خطأهم بعد محاولة لوط لمنعهم، ازدادوا هياجاً ووحشية! فما كان من الله إلا أن عماهم، لينجِي عائلة لوط من هذا الحصار المروع، ثم أمطر عليهم ناراً و كبريتاً ليبيدهم!
وها نحن نرى الله مرة أخرى غاضباً وصارماً؛ بكل تأكيد إن الله يغضب من الخطية، لكن علينا ان لا ننسى السياق العام وأحداث القصة، وما قرأناه عن محبة وعدل الله في المواقف الأخرى:
١- فيمكن النظر الى سدوم وعمورة تماماً كما حدث مع نوح: ظاهرة طبيعية - لربما حمم بركانية أو نيازك من السماء- كانت على وشك أن تصيب المدينة، و الله قد انقذ الابرياء في الوقت المناسب، وترك غير المستحقين! وهذا تفسير مقبول ببساطة قلب!
٢- ويمكن أيضاً ان تنظر لها كعقاب قاسٍ من الله، مما لا يسيء لله في شيء، ولا يجب أن يعثر إيماننا إطلاقاً! فلنتخيل ما حدث للوط وعائلته وكأنه يحدث اليوم في مدينة ما! حالة من الهياج الجنسي قد أصابت شعب المدينة بأكمله! وأرادوا اقتحام بيت جماعة من الأبرياء لاغتصابهم! ولسوء الحظ لا نرى أي تدخل من جهة داخلية عُليا لإيقاف هذه المهزلة! ولا يتدخل مجلس الأمن الدولي، كما تدخل في مثال الكويت أعلاه؟! ولا يقوم اولاً بإنقاذ الرهائن الابرياء، ثم يعاقب أهل المدينة، كما فعل مع العراق! بالطبع كان سيتدخل و سيستخدم كل ما له من قوة لإنهاء هذا العدوان بأسرع وقت، ولن يدينه أحد! إذن لماذا نحن ندين الله على هذه الحادثة، وهو كان يقوم بدور مجلس الأمن الحالي، حتى ينقذ بشراً ابرياءً من أيدي جماعة من الوحوش الباطشة التي لا تعرف قوانيناً دوليةً ولا تعتبر حقوقاً للإنسان.
المشكلة أن العالم اليوم يقوم بمحاكمة الله باطلاً، دون الدخول الى عمق القضية! بينما ان حُكِّمَ العقل قليلاً سنجد الله مبرراً على الدوام!
أتمنى أن تكونوا قد استفدتم من هذا الشرح البسيط وفي العدد القادم، بمشيئة الله، سوف نناقش حادثة الضربات العشر من منظور مختلف. تابعوني ولكم منى أجمل تحية