The Fine Line Between Democracy and Social Disorder البابا تواضروس بعد ١٢ عام من رئاسته للكنيسة 6 قضايا على مائدة قمة العشرين 2024 محمد صلاح عايش بكتالوجه عودة شركة النصر للسيارات المصرية للعمل من جديد ”أوروبا” إلى الجحيم‎ بالحق تقول معنى حُريَّة المرأة أسطورة الملك الإله‎ أنا طفل وعمري خمسة وثمانون عاماً! (2) قدّم سيرتك الذاتية لتأكلها.. أغلى وجبة في البلاد تثير ضجة منع استخدام كلمة التنمر في المدارس

خالد منتصر يكتب: القوة الناعمة الخشنة وأنيميا الثقافة

مشهد محمد رمضان وهو يتلذذ وينتشي ببعثرة الدولارات في حمام سباحة قصره المنيف بعد صدور حكم تعويض بستة ملايين جنيه للطيار الذي أهانه رمضان على الفضائيات والسوشيال ميديا، مشهد يلخص عصراً بأكمله ، لا يهم إن كانت الدولارات حقيقية أم مزيفة ، المهم دلالة هذا السلوك، المهم أن الفن صار مزيفاً، المهم الإستهانة بالقضاء وأحكامه، المهم ثقافة التعالي مع غياب الخلفية الثقافية وعدم الوعي بدور الفنان.

رمضان رمز جيل للأسف لا يشتغل على نفسه ثقافياً ، لايسعى لذلك، ولايحس بأي غضاضة في أن يجهل تاريخه ومخزونه الثقافي ، بل ويتفاخر بأنه لايقرأ، للأسف يعاني من أنيميا ثقافية حادة ، ليست نوستالجيا أن أتحدث عن الجيل الماضي ، ذلك الجيل الذي كان يثقف نفسه إلى جانب القراءة بالصالونات الثقافية. سعاد حسني لم تكن تجيد القراءة والكتابة، لكنها كانت تتحول إلى كاميرا فوتوغرافية وجهاز تنصت ورادار لاقط لكل كلمة ولمحة في صالونات المثقفين الثرية التي كانت تضمها إلى جانب عبد الحليم وكامل الشناوي وإحسان عبد القدوس وبهاء وصلاح جاهين ويوسف إدريس ..الخ، يجلس الفنان إلى موسوعات بشرية ومجلدات ثقافية من لحم ودم لا من أوراق وأحبار. الجيل الحالي كاره لتلك الصالونات بل  ويسخر منها ، هم يجلسون كشلة مع بعضهم البعض، يجترون ثقافتهم المحدودة فيضيق الأفق أكثر وأكثر.

للأسف الشديد تؤرقني تلك المشكلة لأنني شاهدت مكتبة حمايا أبو بكر عزت وعرفت أصدقاءه الحميمين ، فاروق شوشه وصلاح عبد الصبور ومحمود السعدني وكوكبة من المثقفين، شاهدت محمود مرسي يجلس على خشبة المنصة المتسخة بالتراب وآثار الأحذية في ندوة فرج فوده في معرض الكتاب، ليستمع إلى المناظرة التي أدارها سمير سرحان ، إستمعت إلى نور الشريف وهو يتحدث عن حلمه بتجسيد شخصية الحسين وكيف درس كل تفاصيلها ، وشاهدت نهمه الذي يصل لحد الشبق حين يقتني من المكتبات أحدث الكتب في كافة المجالات، فنانون مثقفون بجد ، يعرفون قيمة أن تكون فناناً، تشكل عقل ووجدان أمة ، سميحة أيوب تجلس مع سارتر وسيمون دي بوفوار ، شادي عبد السلام يدرس التاريخ الفرعوني كأنه يحضر للدكتوراه من أجل فيلم، عبد الحليم يهاتف نزار قباني بالساعات لتعديل كلمة ، عمر الشريف يتقن خمس لغات ويتحدث بهم كأبناء بلادهم ، محمود ياسين ينتفض وكأن عقرباً لسعه إذا إستمع إلى ضمة مكان فتحة أو إعراباً خاطئاً ، حسين فهمي يسافر إلى أشهر معهد سينما أمريكي لكي يتعلم أبجديات الفن، ناديه لطفي تذهب لمساندة الفلسطينيين وهم يتعرضون للمذابح ويستقبلها ياسر عرفات ، أحمد زكي يريد كسر أنفه ليشبه عبد الناصر ويحصل على المصداقية ،هؤلاء هم القوة الناعمة التي صارت الآن خشنة، صارت في يد جيل يؤمن معظمه بفتح المندل ووجود الجن والعفاريت، يذبحون العجل أمام باب الاستوديو لتحل البركة، يمارسون السفه بإلقاء الفلوس في البيسين، يتفاخرون بأن بيوتهم خالية من المكتبات ، يتبنون مايطلقون عليه السينما النظيفة نفاقاً ورياء للمزاج السلفي المصري، يقدمون كل الرداءة في أفلام ومسلسلات غير صالحة للإستهلاك الآدمي، ثم يقولون يكفي أنها خالية من القبلات !، منهم من يكسل عن حلاقة لحيته وهو بطل مسلسل فرعوني وكأنه سيقدم  مسلسل أحمس في قريش !!، هم بلا طعم أو لون ، مكسبات طعم ثقافي ولا يمثلون أصالة ثقافية ، مزاجهم سلفي وإن إرتدوا الجينز المقطع أو البكيني المفتوح ، صراع داخلي لأن الفن سبوبة يعتبرونها نجاسة مجبرين عليها وخطيئة مضطرين لإقترافها حتى يحين أوان الهداية .

الموهبة وحدها لاتكفي، الموهبة بدون حاضنة ثقافية ترعاها هي حقل ألغام وسفينة محملة بالنابالم ، قوانا الناعمة صارت رمالاً ناعمة متحركة تبلع في جوفها كل محاولات ومجهودات التنمية ، فالبشر قبل الحجر ، أفيقوا يرحمكم الله.