مينا ماهر يكتب: القط أصله أسد!
بقلم: مينا ماهر
كان الأسد يخطو بخطوات متوجسة، وبحذر شديد، في أجواء حديقة حيوانات مفتوحة، حيث كان جائعاً! فمر بمنطقة الغزلان، فدنى بجسده الضخم وهو يزحف ببطء، متأهباً الهجوم...ثم قفز فجأة برشاقة وهدوء على الغزلان وأفتك بهم!
رآه عن بعد هذا القرد من تلة القرود، فهلع صارخاً:
-الأسد المفترس في المنطقة…
استاء الأسد جداً مما قاله القرد...فكيف يصفه بالمفترس؟ فركض بجنون نحو ذلك القرد وقتله! لم تهدأ بعدها للحظة تلة القرود واستمروا بنعت الأسد بأنه مفترس ومتوحش وجالوا واثبين في أنحاء الحديقة يحذرون بقية الحيوانات!
وصل الخبر لقط بلدي في قسم حيوانات المزارع، وهو قسم بعيد كل البعد عما يحدث في بقية الحديقة! فحزن كثيراً عما يقال على شراسة وتوحش الأسد! فهما من نفس الفصيلة، والمعروف اجتماعيا أن "القط أصله أسد"! فما يمس شرف الاسد، يمس شرف القط أيضاً! فتعاطفت مع القط كل حيوانات المزارع، بل وأطلقوا حملة مضادة للدفاع عن الأسد ووداعته، في حين أن الأسد نفسه لا يزال يبطش كل ما يراه أمامه من حيوانات، دون أن يكترث بما يهتف به البعض!
تارة تصرخ حيوانات الحديقة، كشهود عيان لما يحدث من مهازل بسبب الأسد الهائج، قائلين:
-شوفوا بيعمل ايه!! الاسد لازم يموت!
فتهتف حيوانات المزرعة، تارة أخرى، بحبهم للأسد والدفاع عنه، متحيزين للقط صديقهم الأليف، الودود:
-الاسد مش مفترس، الاسد دا وديع...كفاية تفرقة بين الحيوانات وبعضها!
وصلت بعض القرود هرباً من بطش الاسد الى منطقة المزارع، فشرحوا للقط أن ما يقال من جهة أن "القط أصله أسد" غير صحيح! بل علمياً، الأسود هم الذين يرجعون بأصولهم لعائلة القطط، لكن يجب أن نفهم أن تكوينهم الوراثي يختلف تماماً عن القطط؛ فهي طبيعة شرسة...فطرية ولن تتغير! ورغم التماس القرود العذر لحيوانات المزارع في حسن النية وبراءة الفكر، بسبب نشأتهم في بيئة مسالمة أخفت عن مخيلتهم وحشية الأسود، إلا أنهم لم يلبثوا أن نشروا الوعي المطلوب، لكن بلا جدوى!
فبسبب انعدام معرفتهم، بل ورفضهم للتوعية، قامت حيوانات قسم المزارع بمقاطعة بقية حيوانات الحديقة تضامناً مع القط الذي لا يزال متعاطفاً مع قريبه الأسد، ضارباً بعرض الحائط دعوة البحث عن حقيقة أصله وفصله.
فوصل الأسد الهائج في تلك الليلة ذاتها إلى محطته الأخيرة، وهي قسم حيوانات المزارع، وقام بالقضاء على كل ما فيه بوحشية، الى أن بلغ الى القط ابن فصيلته، وصار وقتها صمت عظيم… فوقف القط أمام الأسد وقال له مخاطباً الحيوان الأليف الذي قد يسكن في أعماق، أعماق أحشائه:
- انت مش متوحش، ليه بتعمل كدة؟...انت عارف ان احنا قرايب؟! وأقدر اقولك إنك مش مفترس! ...انت بس متعصب شوية لان الكل ضدك...بس انا مش ضدّك، انا بحبك جداً، انا بس يمكن ضد اعمالك...صدقني انت من جواك كويس وكويس جداً كمان!!!
تصلب الاسد الضخم أمام هذا القط الهزيل، وأدمع دمعتين وإذ به يأخذ القط الشجاع في أحضانه ….وإلتَهَمَهُ!