عبد المسيح يوسف يكتب: فاض الكيل...التعنت الأثيوبي والتصرف المصري السوداني في سد النهضة
بقلم: عبد المسيح يوسف
الكل يعلم مدى أهمية مياه النيل بالنسبة لحياة شعبي مصر والسودان، وأن الحرب في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ليست على ثروات البترول والغاز، وإنما على المياه. لا أحد ينكر أن اشتعال الحروب أمر سهل، ولكن تحملها عبر سنوات، وانهاءها، أمر ليس يسير بالمرة. لا يجب أن نقيس الأمور فقط بمعايير القوة الشاملة، ومصر هنا تتفوق كل أثيوبيا في كل المعايير. ولكن كما يبدو أن القيادة السياسية في مصر، وفي مقدمتها الرئيس السيسي تتمتع بالحنكة والرشادة العسكرية، وتعرف أن الحرب ربما تكون خيار، ولكنه الأخير.
أثيوبيا تتخذ موقفا مخيبا لآمال السلام في المنطقة، وتتعنت بصورة مجحفة أمام حقوق مصر والسودان، لدرجة أن أحد مسؤولي وزارة الخارجية الأثيوبية تحدث عن أن الرأي العام الأثيوبي يرى أن كل مياه النيل، هي مياه أثيوبية، ولا يحق للمصريين أن يحصلوا عليها بدون مقابل، وهو ما يعني مطامع أثيوبية للتحكم في مياه النيل وبيعها لمصر للسودان. وفكرة بيع المياه، هي بالأساس فكرة إسرائيلية، حينما في فترة من الفترات تحدث الإعلام الإسرائيلي عن مساعي تل أبيب لشراء مياه النيل، عبر ترعة السلام، وأنبوب ضخم يمر أسفل القناة ويعبر سيناء ليصل إلى إسرائيل. وبالطبع كانت مآل هذه الأحلام والتهيأت الإسرائيلية الفشل.
أثيوبيا تعاني من عدم استقرار داخلي كبير بين القبائل هناك، خاصة وأن إقليم تيجراي يتمرد ويرغب في الانفصال، فضلا عن أن هناك بالأساس مشاكل حدودية بين أثيوبيا والسودان، ومناوشات عسكرية حدودية بين الدولتين من وقت لآخر.
القاهرة تعلن دائما أن خيار السلم هو الخيار الأهم والمتبع، دون أن يجحف بالحقوق التاريخية والواقعية للشعب المصري في مياه النيل. ومنذ عدة سنوات كان موقف السودان مغايرا مقارنة بالآن، عندما كانت الخرطوم تحت حكم البشير وتأثير جماعة الإخوان المسلمين هناك. ومنذ أن قامت الثورة في السودان علي البشير، بدأت الخير تعود إلى امتدادها الطبيعي في مصر كأخوة وحلفاء استراتيجيين. فالعلاقة بين مصر والسودان، اشبه بالعلاقة بين الولايات المتحدة وكندا، فهما أخوة اشقاء.
والسودان بعد الثورة عادت إلى رشدها ورشادتها، مؤكدة تحالفها مع القاهرة والدفاع عن الحقوق التاريخية لكل من القاهرة والخرطوم في مياه النيل في مواجهة انفلات أديس أبابا.
قام الرئيس السيسي مؤخرا بزيارات مهمة لكل من الخرطوم وجوبا في السودان وجنوب السودان. وحاليا يقوم وزير المخابرات عباس كامل بزيارة لعدد من دول الخليج. مصر تؤكد دائما حق الأثيوبي في التنمية والاستقرار دون أن يكون هذا على حساب الأمن القومي المصري والسوداني.
واشنطن تلعب دول غامض تحت إدارة جو بايدن، حيث دعا المتحدث باسم البيت الأبيض القاهرة والخرطوم وأديس أبابا الوصول إلى حل دبلوماسي لهذه الأزمة، التي تشارف على وقوع حرب بين مصر والسودان ضد أثيوبيا.
وإذا قامت هذه الحرب فإن هذا الإقليم من أفريقيا سيتأثر كثيرا، وليس من المستبعد أن تتدخل دول ذات أطماع في المنطقة منها إسرائيل والولايات المتحدة، ولكن هذا لا يعني أن روسيا الاتحادية وخاصة الصين ستقف عاجزة، خاصة وأن أفريقيا من الأسواق الناشئة والقوية للاستثمارات الصينية.
مصر قادرة على شن حرب، انطلاقا من الأراضي السودان، لتهدم سد النهضة خلال ساعات، وبالطبع ستكون هناك توازنات إقليمية ودولية لمثل هذا القرار المصيري، ولكن رشادة القيادة المصرية تجعلها تتبع كل السبل السلمية والدبلوماسية، حيث أن تجبر أديس أبابا الجميع للجوء إلي خيار الحرب، مع الآخر في الاعتبار ان التدخل الأمريكي والإسرائيلي في مثل هذه الحرب سيكون له حدود، خاصة وأن موسكو وبيكين لن تقفا مكتوفتي الأيدي تجاه الأطراف المتحاربة، حال وقوع هذه الحرب، التي نري انها الخيار المر، الذي يدفع الموقف الأثيوبي الجميع للجوء إليه، حال فشل الوصول إلى حل سلمي.
الاتحاد الأوربي في هذا الصراع، لا ناقة له ولا جمل. وبالتالي موقفه متغير مقارنة بكل من إسرائيل وأمريكا من ناحية وروسيا والصين من ناحية ثانية.
مصر تدرك تماما قواعد اللعبة وبالتالي فهي تتروى في عملية التفاوض، دون ان يعني ذلك عدم وعي القاهرة والخرطوم بخطورة الموقف، خاصة وأن أديس أبابا تتبع سياسة المماطلة وتضييع الوقت.
الواقع والمنطق يقول إن حل معضلة سد النهضة لن يكون بالحرب المباشرة، بالمعني التقليدي، ولكن الحرب الأقرب للواقع، سيكون من خلال التفاوض السياسي، أو عمل مخابراتي، لا يعلم أحد من قام به، إلا من خلال تكهنات وتوقعات. وأثيوبيا لوحدها أضعف من أن تقف أمام مصر، التي ستتمتع بميزة استخدام الأراضي والمجال الجوي السوداني دون قيود للوصول بسهولة للأجواء والأراضي الأثيوبية. لكن المشكلة في أن الحرب التقليدية لم يعد في الوقت الحالي من الأعمال المحبذة إقليميا ودوليا.
فاضل الكيل من الوقت الطويل والمماطلة من جانب أثيوبيا، والراي العام المصري والسوداني في مجمله محبذ ومؤيد لعمل عسكري يسوي سد النهضة بالأرض، ولكن الأمر سيكون من السذاجة السياسية أن يتم حاليا، وإن كانت أثيوبيا تستحق مثل هذه الضربة العسكرية، لأنها تتعامل بأن منابع نهر النيل، ملكية خاصة لأديس أبابا، وهذا أمر بعيد عن التاريخ والواقع. الأشقاء في السودان، يرون في الموقف المصري القوي والشجاع، مثلما كان الحال في ليبيا ضد القوات التركية الغازية، أمر قويا لكي تقوم السودان بأعمال من شأن تأديب أديس أبابا، خاصة بعد أن أعلنت الخرطوم منذ أيام، استردادها لأكثر من 95% من الأراضي الحدودية، التي سبق وأن استولت عليها أثيوبيا، في خطوة شجاعة من السودان، في أنها قادرة على النيل من أديس أبابا، خاصة وأن القاهرة أصبحت حليفا وظهيرا قويا يمكن الاعتماد عليه.
الأمور تزداد سخونة، يوما بعد الآخر، مع إعلان أثيوبيا عن اقتراب موعد المرحلة الثانية لملء خزان سد النهضة دون الاتفاق مع مصر والسودان، وهو الأمر الذي من شأن أن يشعل فتيل الحرب او القيام بعمل مخابراتي للتخلص من سد النهضة، على أن يكون ذلك تحت غطاء من قبل روسيا والصين اللتان تتمتعا بعلاقات قوية مع القاهرة.
ولنتابع تطورات الأحداث، التي تؤكد أن جميع المصريين داخل مصر وفي مختلف دول العالم، من الوطنيين، المحبين لأرض وتراب مصر، سيكونون خلف مصر والرئيس السيسي في الدفاع عن حياة المصريين وامنهم القومي ضد التعنت والصلف الأثيوبي لسرقة مياه النيل، بدعوى أن منابع مياه النيل، منابع أثيوبية، وأن لأثيوبيا وحدها حق التصرف فيها وبيعها لمصر أو غيرها من الدول