A Society Living in Fear is a Dying Society أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات

مينا ماهر يكتب: رمضان...بين الأمس واليوم والغد

دردشة...بالعربي الفصيح:

لن أناقش شهر رمضان من الجانب الديني، لأني - كما تعلمون - لست مسلماً! بل سأكتب ما كنت ألاحظه خلال شهر الصوم من الناحية المظهرية فقط، والتي قد تعكس ضمناً الجانب الديني لهذا الشهر عند المجتمع. 

ما سأقوم بفرزه أمام القارئ اليوم، هو نتاج خبرتي الشخصية البحتة عن شهر رمضان، وليس حصيلة بحث أو تدقيق أو مراجع. فقد نشأت وسط مجتمع اسلامي، في اسرة مسيحية مصرية تأثرَت بشكل مباشر بشهر رمضان من حيث تغيير ساعات العمل والمدارس، ومحتوى برامج التلفاز ومواعيد الطعام وأسلوب تناوله.

أتذكر في فترة الثمانينيات، حين كنت طفلاً، أن عدد المسلسلات الرمضانية الرئيسية كان اثنين فقط (أو ثلاثة على الاكثر)؛ كان كل منهما عبارةً عن خمسة عشر حلقة لا غير! كان ينتهي أحدهما في منتصف الشهر، على ما أذكر، فيبدأ بعده الآخر! و عادة كانت أحداثهما تدور إما حول فكرة الصيام أو في خلال شهر رمضان، حتى لا ينسى الناس هدف و أهمية الشهر؛ مسلسلات على غرار "صيام صيام"  أو "صائمون والله أعلم"...على سبيل المثال، و ليس على سبيل الحصر!

 كانت البساطة وخفة الظل تغلب على معظم المسلسلات؛ وقد تناقش ايضاً بعض المشاكل الاجتماعية الرقيقة! كنا نستمتع بعشرات من النجوم الكبار والصاعدين في عدد ضئيل جداً من المسلسلات! كانت برامج رمضان نمطيةً ومنظمة من حيث المحتوى والتوقع! فكل عام كنا ننتظر المسلسل الرئيسي، وحلقات ألف ليلة وليلة، والفوازير! ولا يخلو الأمر من برامج المسابقات والمقابلات التليفزيونية، وايضاً حديث الروح للشيخ محمد متولي الشعراوي، والمسلسل الديني كـ "لا إله الا اللهً" او "جمال الدين الافغاني"...الخ.

كان هدف البرامج هو الترفيه أثناء فترة الصيام، وتجميع كل أفراد الأسرة حول مائدة الافطار في مشاهدة موحدة! 

 مع مرور السنين وتعدد القنوات الفضائية، تلاشى تليفزيونياً، وبشكل تدريجي بطيء، الجانب الديني والأسري لشهر رمضان!! وفقدنا بين يوم وليلة تلك النمطية المتواضعة الجميلة في أوائل القرن الحادي والعشرين، لنعاني من تفجر وظهور جانب تجاري خطير للتلفزة الرمضانية! فاندثرت الفوازير، وغابت عن أسماعنا شهرزاد، وأصبحنا نشاهد عشرات المسلسلات، وظهور متكرر للممثلين في أكثر من مسلسل، يصل الى حد الخلط بين أحداثهم!  

وكثرت الاعلانات والفواصل التجارية، بشكل مبالغ فيه، مما يُفقد المتفرج أيضاً هذا التواصل الدرامي المطلوب مع أحداث المسلسل. تغير طول العمل الدرامي ليفرض علينا ثلاثين حلقة - على الاقل - لتكفي مدة شهر رمضان كله، مما أدى الى الاطالة الزائدة بأحداث لا داعي لها، والاختزال الملحوظ للحبكات الدرامية وفبركة النهايات غير المقنعة لخدمة النزعة التجارية للشهر! 

 ورغم تعددها، كانت لا تزال برامج ومسلسلات شهر رمضان محتفظة نسبياً بآداب الأسرة والمجتمع الشرقي، إلى أن بدأت فترة حكم الإخوان، وكانت تلك نقطة تحول فاصلة في أسلوب الدراما المصرية! أعتقد، أن الوسط الفني قد اتفق أن يتمرد على فترة حكم الاخوان وغياب الرقابة، بأن يقدم كل ما يعبر عن الحرية الزائدة الزائفة - باستخدام الاسفاف، والألفاظ النابية-  في مسلسلات رمضان، دون مراعاة للجو الأسري أو الديني او حتى الوعي بصوم المتفرجين! رغم أني غير مسلم، إلا أني قد لاحظت، وألاحظ، أن مشاهدة بعض المسلسلات اليوم قد تدعو للإفطار الفكري، مما فيها من خلاعة والفاظ سوقية وإيحاءات جنسية لا تليق بالمناخ النسكي المرتبط بالشهر!

لا أستطيع أن اجزم، في الحقيقة، كيف سيكون شهر رمضان بعد عشرين عامٍ من اليوم، لكن في مقدوري أن أخمن انه سيختلف تماماً عما هو عليه الآن، بل وربما سيفقد تماماً طابعه الديني الاصيل ليصبح مجرد مناسبة اجتماعية بحتة تملؤها ضوضاء البيئة المحيطة وصيحات التمرد على بساطة الماضي الجميل! فحينما يُفقد معنى الهوية، تُفقد الهوية أيضاً!