ابرام مقار: قراءة في حادث الأنبا أبيفانيوس
في التاسع من مايو الحالي أُسدل الستار - ولو جزئياً- على جريمة قتل الأنبا أبيفانيوس رئيس دير أبو مقار بصحراء وادي النطرون، ذلك الأسقف المستنير واللاهوتي والذي رقد في الرب عن عمر 64 عام. وهو الذي ترهب في دير أبو مقار عام 1984 بيد المتنيح الأنبا ميخائيل. وهو الطبيب الذي يتقن اللغتين القبطية واليونانية جيداً، ذلك الإتقان الذي ساعده على دراسة المخطوطات القديمة بمكتبة الدير، وكذلك كتابة عدة مؤلفات هامة مثل "دراسة في بستان الرهبان" ودراسات في سفري التكوين والخروج، بالإضافة إلي القيام بالترجمة من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية. كذلك هناك عدة ميامر من المخطوطات منشورة لهذا الأسقف العظيم، والذي سُيم أسقفاً للدير بعد سبعة أعوام من رحيل أستاذه وأبيه الروحي القمص متى المسكين، والذي لم يجلس على كرسي الدير سوي خمس سنوات فقط وانتهت حياته بجريمة قتل خسيسة ما زالت تُسير لغطاً منذ ذلك الوقت وحتى الآن، وخاصة بعد تنفيذ حكم الإعدام بحق الراهب المشلوح "إشعياء المقاري". لغط وجدل فتح الباب علي كثير من الأكاذيب والتكهنات والمغالطات، وقليل من الحقائق ومنها:
أولا: صعوبة الجزم بأن أشعياء المقاري برئ أم مذنب؟ ، فعلها أم لا؟ ، قال اعترافاته بأمان أم تحت تهديد؟ كما قال الراهب أشعياء للمحكمة، ولكن أن صدقنا مزاعم الراهب عن أن اعترافاته كانت بالأكراه، فعلينا أن نصدق ما قاله هو عن نفسه أنه "بتاع ستات لكن مايقتلش".
ثانياً: شلح الراهبين بعد الحادث دليل علي أن القيادة الكنسية وجدت ما يثبت التهمة عليهم، فمهما أختلفت مع قداسة البابا إدارياً أو سياسياً لا يمكن أن تعتقد أن البابا والأساقفة الذين أجروا التحقيقات الأولي مع الراهبين يمكن أن يُلقوا رهبان أبرياء بجريمة عقوبتها الإعدام.
ثالثاً: لا يضير الأقباط ولا الكنيسة أن يكون الراهب أشعياء هو القاتل، فبين ١٢ تلميذ اختارهم المسيح وشاهدوا معجزاته وعجائبه وتواضعه، أحدهم خانه والثاني أنكره والآخرين اختفوا وقت صلبه، فلا داعي لحالة الـ Denying والإنكار التي يعيشها العديد من الأقباط منذ وقوع الحادث وحتى الأن.
رابعاً: ما حدث بعد اعدام الراهب آشعياء سواء أثناء الجنازة من لبس الزي الرهباني أو ما قاله أب اعترافه ووصفه بالشهيد سواء فعلها أم لا - نصاً بحسب كلام أب اعترافه - وأقوال لأساقفة من هنا أو هناك تؤكد أن الكنيسة في محنة داخلية جسيمة وهناك حرس قديم وحرس جديد وهناك كراهية بل وشديدة من أنصار فكر البابا شنودة ضد أنصار الأب متي المسكين، وهذه الأمور جميعها تحتاج سيطرة عاجلة من قداسة البابا تواضروس مهما كانت الحرب شديدة وعاتية وممولة ضده.
يبقى أخيراً بعد كل تلك الضوضاء والجدال، أننا برحيل الأنبا أبيفانيوس قد فقدنا أسقف ناسك متواضع كان يرفض المتكأت الأولي وتقبيل اليد وألقاب السيادة والعظمة والثياب الفاخر، وكان قدوة وعلم وعقل وقلب تحتاجه الكنيسة لسنوات قادمة ، وبالتأكيد خسارته لا تُعوض