خالد منتصر يكتب: صراع الفستان والبوركيني
كالعادة إستطاع الإخوان أو بالأدق المزاج السلفي العام " الغلوشة" على قضية فستان حبيبة طالبة اداب طنطا بإختراع وإفتعال قضية بوركيني دينا المصرية الكندية ، بدأت السوشيال ميديا بالصراخ والضجيج ومساواة هذا بذاك ، ووضع القضيتين وكأنهما بنفس الحجم والوزن والخطورة ، وهذا للأسف تزييف وعي وتدليس ضمير وضبابية رؤية ، فقضية فستان حبيبة لامقارنة إطلاقاً بينها وبين قضية بوركيني دينا ، فحبيبة طالبة طنطا هي بنت جاءت من الإسكندرية لحضور إمتحانها في جامعة طنطا بفستان عادي جداً يحترم كود الزي الجامعي تماماً ، الجامعة هي المكان الوحيد لديها الذي لابد أن يعقد فيه الإمتحان ولا بديل له ، والجامعة مكان عام حكومي ملكنا جميعاً نحن الشعب والطلبة والأساتذة ، إذن حبيبة لو لم تمتحن ستطرد إلى الشارع ويضيع مستقبلها ، أما فتاة البوركيني مع كامل إحترامنا لشخصها هي التي دخلت إلى كومباوند خاص مع صديقة أو زميلة أو قريبة ، هي مجرد ضيفة على هذا الكومباوند الذي وضع قواعد خاصة به بداية من بوابة الأمن التي لها كروت خاصة بأصحاب المكان وليس من حقك إقتحامها بحجة أن هذا مكان سكني وليس وزارة سيادية أو مكان أمني ، هذا من حق أصحاب الكومباوند ، وحتى ممارساتك داخل الكومباوند لهم الحق في تحديدها ومنعك منها كضيف لابد أن يحترم قواعد المضيف ، ومن ضمن تلك الممارسات حرص أصحاب هذا الكومباوند الذي دفع فيه كل مالك عشرات الملايين لكي يمارس حريته هو كما يريد وطبقاً لما إتفق عليه الملاك من شروط وقواعد ، هذا بالطبع من حقه ، لكن أن يقتحم عليه ضيف مكانه ويصرخ لماذا لاتطبق قواعد حياتي وتسمح لي بكسر شروطك وقواعدك ، فهذا هو قمة اللامنطق خاصة إذا كان تحت شعار الدين والأخلاق ، وكأن لسان الحال يقول أنتم يا مجتمع العراة يامن لاتحترمون الدين والشرع ، هذا هو اللباس الشرعي للبحر ، صاحبة البوركيني أمامها شاطئ ألف كيلو على البحر الأبيض ومثله على البحر الأحمر لتسبح فيها براحتها بكل أنواع البوركينات، وعدد هائل من حمامات السباحة في الفنادق والنوادي والتي تسمح لها أيضاً بذلك بل تحدد أياماً خاصة للسيدات ، إذن المقارنة فيها مغالطة كبيرة ولايصح مقارنة هذا بذاك.
صاحبة الفستان تعرضت لقهر حقيقي حين سئلت عن ديانتها في سخرية واضحة وإشارة إلى أنها قد تركت قواعد دينها حين إرتدت الفستان ، ثم تصاعدت نغمة السخرية حين سئلت لماذا لم ترتدي البنطلون تحت الفستان ؟، وبالطبع الموظفة المنتقبة وصديقتها كانتا من البداية تعتبران صاحبة الفستان مكشوفة الشعر خارجة عن الدين وبلا أخلاق لأنها لاترتدي الطرحة المقدسة التي هي مسطرة الأخلاق لديهما ولدى كل طقم موظفات الجامعة ، ثم إنتهت وصلة التقريع بأنه ليس غريباً على بنات إسكندرية هذه التصرفات الخارجة !!، يعني عنصرية ذات قوة ثلاثية ، دينية وجنسية وعرقية ، ببساطة وصلت درجة التنمر إلى أقصى سقف من القسوة والشراسة والغل والسواد، أما صاحبة البوركيني فقد تم الإعتذار لها ورفض طلبها بكل تهذيب لأنه بديهية وهذا من قواعد المكان المعروفة للجميع هناك والواضحة وضوح الشمس.
أما عن رفع فزاعة المايوه الإسلامي في وجوهنا فهذا من باب الكوميديا السوداء، فلم أجد أي إشارة لهذا المايوه الإسلامي المزعوم في آية أو حديث أو كتاب فقه ! وهل من الممكن أن أدخل ديسكو راقص مثلاً وأطلب تشغيل سي دي الشيخ عبد الباسط أو الحصري ؟ هل من الممكن في بار أن أطلب بيرة إسلامية مثلاً ؟ هل في نادي القمار من المباح للمقامر أن يلعب مايسمى بالروليت الإسلامي وأن يحس بالقهر إذا لم ينفذوا طلبه !! إذا إخترعت شيئاً وأطلقت عليه إسماً أو توصيفاً لايوجد إلا في ذهنك فقط وداخل حدود جمجمتك فقط مثل وصف المايوه الإسلامي وتريد فرضه بالقوة والعافية ، فهذا نوع من التحرش الديني وجر الشكل العقائدي.
المشكلة ليست في البوركيني ولكنها في هذه الثقافة التحرشية التي دوماً تغلف نفسها بسيلوفان ديني ، فهذا شخص يصعد إلى الأتوبيس أو الميكروباص ويبدأ في تشغيل موبايله بصوت عالي على قرآن مثلاً أو خطبة دينية ويطلب من جميع الركاب الصمت والإنصات وإلا فهم كفرة فاسقون لايريدون الإستماع إلى كلام الله وينسى أو يتناسى أن الإستماع إلى كلام الله له مناخه الذي لابد أن يناسبه ، وأن هذا المناخ المناسب لابد من أن نصنعه جميعاً ونقبله جميعاً وليس حضرتك فقط الذي تحدد لأنك بلحية أو جلباب أو بوركيني ولك أو لكِ حق الوصاية علينا نحن الخارجين عن الصراط! تدخل إلى مكان فيه أجانب وتصرخ ممنوع المشروبات الروحية فنحن في رمضان ، وبرغم أنك تعرف أن رمضان يخصك أنت كمسلم ولايخص الأجانب الذين سافروا إلى بلدك للإستمتاع وليس لكي تؤدبهم أو تدعوهم للدخول إلى دينك فأنت تريد فرض شروطك التي تقتنع بها أنت وليست قواعد يجب فرضها على الكون ، فأنت مواطن لا مبشر ، وهكذا تنتشر كالسرطان ثقافة الحشرية والتحرش الديني المفتعل والذي دائماً يبدأ بشرارة وينتهي بحريق الأخضر واليابس، دائماً الإسلام السياسي يطبق شعار تديهم صباعك ياكلوا دراعك ، تتنازل لهم عن الفتات البسيط فيطلبون الوجبة الأكبر ثم يلتهمونك أنت شخصياً في نهاية الأمر ، هذه هي الكارثة الأساسية التي هي أكبر من فستان وأخطر من بوركيني.