دولا أندراوس تكتب: الشخصية الجذابة
الشخصية الجذابة شخصية ناجحة بوجه عام مهما كانت درجة قبح صاحبها أو تدني مستواه الإجتماعي أو المادي. فجاذبيته تجعله مثار إعجاب الناس وما أن ينطلق في الكلام حتي يؤخذون بسحر حديثه ويغضون النظرعن نقائصه. ونحن وإن كنا نولد ببعض السمات الشخصية إلا أننا لحسن الحظ نستطيع دواماً وفي أي مرحلة من مراحل الحياة صقل شخصياتنا وإكسابها صفات حميدة وجذابة.. ولذلك يأخذني العجب من هؤلاء الذين يرفضون أي محاولة للتغيير متعللين بأنهم هكذا خلقوا.. وفي رأيي أن هذا منهج لا ينتهجه سوى الذين يفتقرون إلي الذكاء الإجتماعي.
لنا قريبة ذات شخصية صعبة للغاية. توفي زوجها تاركا لها إبناً لم يتعد الأربعة سنوات فقررت أن تكون له الأم والأب معا ً فعاملته بمنتهي الحزم والشدة ظناً منها أن تلك هي الطريقة المثلي للتربية. كانت شديدة التسلط والجمود لدرجة أننا كنا نشفق عليه أحياناً كثيرة من قسوتها وعدم مرونتها في التعامل معه فقد كانت تختار له ثيابه وطعامه وأصدقاءه وتتحكم في كل صغيرة وكبيرة من تفاصيل حياته والولد المسكين لم يكن يقوي علي مخالفتها أو معارضتها فنشأ مهزوزاً ضعيفا.
وكان الفتي يعشق الكتابة والشعر وتهفو نفسه الرقيقة الشفافة لأن يخوض المجال الأدبي ليحترف الأدب أو يعمل بالصحافة، لكن الأم التي كان حلم حياتها أن تراه يوما طبيباً مشهوراً عارضت رغبته بشدة رغم كل الوساطات التي ساقها إليها وكل المحاولات اليائسة التي بذلها لإقناعها وأرغمته علي دخول المجال العلمي والإلتحاق بكلية الطب فإستسلم لها أخيراً كما في كل شيء وأذعن لرغبتها ودخل كلية الطب. وهناك تعلقت نفسه بفتاة زميلة وأحبها حباً جماً وأراد الإرتباط بها ولما كانت الفتاة تنتمي لأسرة ذات وضع إجتماعي مرموق لم يتوقع أحد أن يوجد ما يعوق إتمام هذا الزواج. ولكن ما أن فاتح الفتي والدته في الموضوع حتي فوجئ بها ترفض رفضاً باتاً متعللة بأن الفتاة "قبيحة".. وكنا سمعنا بالفعل أن الفتاة عاطلة من الجمال ولكننا لم نتوقع أبداً أن يكون ذلك عقبة في طريق الزواج بالذات لأن الولد يحبها وهي في عينيه أجمل الجميلات وبالتالي لم يخف علي أحد السبب الأساسي للرفض وهو أن الولد قد إختار الفتاة بنفسه دون أن يكون لأمه يد في هذا الإختيار وهنا كانت تكمن الكارثة.
وتوقعنا جميعاً أن تنتهي تلك المأساة مثل كل مرة وأن يرضخ الولد لرغبة أمه فيهجر فتاته ويتزوج من أخري تختارها هي له ولكن تلك المرة كانت مختلفة وخالف الفتي كل التوقعات ففوجئنا به يتمسك بحبيبته بإصرار عجيب لم تجد معه محاولات الأم المستميتة لإثنائه عن عزمه ..وبعد شد وجذب إمتد أشهراً طوال إنتصر الحب أخيرا وتم الزواج!
المفاجأة كانت أننا إجتمعنا ذات مرة مع الأم في إحدي المناسبات العائلية وقادنا الحديث إلي الزواج فسمعتها بأذني تقول: " لم يحسن أحد إختيار عروسه مثلما فعل إبني".. وقد هالني القول بالذات لعلمي بخلفيات الموضوع وتعجبت كيف يصدر عنها هذا الكلام وهي التي عارضت الزواج أيما معارضة. وتمنيت من كل قلبي أن أتعرف إلي تلك الفتاة الساحرة التي إستطاعت أن تأسر حماتها فتضمها إلي صفها وتجعلها من مؤيديها في تلك الفترة الوجيزة.
ثم شاءت الظروف وقابلتها في مناسبة أخري ووجدتني بدون قصد أراقبها وأرصد تحركاتها لأقف علي سر جاذبيتها.. فوجدتها فتاة دافئة دائمة الإبتسام تحسن الإصغاء وتطري محدثها بلباقة وصدق وتشعره بأهميته وأهمية ما يقول وكانت لها طريقة فاتنة في إبداء الرأي تجعلك تشعر بأنها علي حق في كل ما تقول.. بإختصار كانت بالفعل فتاة رائعة تملك مقومات شخصية شديدة الجاذبية فتحت لها أبواب القلوب وبخاصة قلب حماتها.. المرأة التي كنا نحسبها بلا قلب.